مرثية لشاعرٍ لم يمت!!..

مسعود الحمداني

رحل الشاعر حمد الخروصي عن عالمنا الضيق..إلى عالم أوسع وأجمل..ترك خلفه كثيرا من الحزن..وكثيرا من الشعر..وكثيرا من العطر..سافر إلى ملكوت الله محملا بالأغنيات..ومخضبا بالذكريات المشاكسة في حارات (السويق)..شاهرا سيف القصيدة..ومضرجاً بدم الوردة..رحل بعيدا هناك ..حيث البياض يلف المكان..وحيث جبال الألب تطل برأسها على ساحة الحياة..فتصنع من حبات البَرَد والجليد كفنا يلف جسده المليء بندوب الأيام..وُلد وفي يديه عطر الحب..ينثره على أزقة المكان..يختصر مساحات من الود..ويشعل العتمة كي يرى الآخرون طريقهم في الشعر..حمد الخروصي أيها السادن في ملكوت القصيدة..ما كنت سوى عابرٍ في كلمات الحياة..ولكنك ماكث خالد في سديم القلوب المغلفة بالوفاء..في دمع ولدك عبدالله رأيتك..في دمعة والدك العجوز رأيتك..في طين الأرض رأيتك..في ظلال شجيرات الغاف كنت بهيًا..في عيون إخوتك وأصدقائك الحزينة كنت حاضرا..رأيتك في تلك الوجوه الشاحبة المفجوعة ألما عليك..في صوت البحر..في مفردات العشق والوطن والغربة التي عشتها في ذاتك..

حاولتُ أن أكتب مرثية لك، فخذلتني الكلمات..وحاولتُ أن أصوغ مرثيتي نثرًا فلم تسعفني الحروف..ليس في ما أقول مبالغة شاعر، بل هو تعبير عن عجزي في وصف اللحظة..فمن الصعب على محبٍ أن يجد نفسه أمام صاعقة الموت يرثي حبيبه..ومن البلاهة أن يتحدث صديق عن فقده المباغت لصديقه..ولكن كل الأشياء تتصاغر أمام الموت..هذا الذي يخطف زهرة أعمارنا، ويحيل شجيراتنا الورافة إلى جذوع خاوية على عروشها، تصفر فيها الريح..تتقزم المشاعر أمام رهبة الحياة المأخوذة عنوة من بين أيدينا..لتظهر عجزنا عن الفعل، أو حتى ردة الفعل، ولا نملك إلا الاستسلام لقابض الأرواح..فقضاء الله..لا يمكن رده..ولا نملك إلا أن نتقبله بكل حالاته..فالحياة جملة من الانكسارات..ومجموعة من الخيارات..وكثير من اللحظات التي ننثرها في طرقات الحنين..وبين الحياة والحياة حكاية نرويها لمن سيأتون بعدنا..ولعلنا لا نكون الرواة الذين يسردونها..وهكذا كان الشاعر المرحوم حمد الخروصي..حكاية لا تتكرر كثيرا..غاب بجسده..غريبا..في بلد غريب..ذهب ليعوّض أياماً من الحرمان..فإذا هو بين يدي الموت..عاش مغتربا في قصيدته..ومات بعيدا عن أرضه..فطوبى للشاعر الغريب..حين يرحل شاعر إلى السماء تظل كلمات الزعفران خالدة على الأرض..كذاك كان حمد الخروصي الذي زرع كلمات قصيدته على تربة القلوب..وغاب في السديم العلوي..حاملا روحه إلى السماء المباركة..وتاركا خلفهالأثر الطيب..ومساحات شاسعة من العطاء..رحل مبكرا..كما:(طرفة بن العبد..وأبو فراس الحمداني..وأبو القاسم الشابي..) وغيرهم كثيرون ممن قصر عمرهم..وعظم أثرهم.فنم يا أبا عبدالله في سلام..حيث أنت إلى الله أقرب..وحيث الحياة تبدأ من آخر خطوة لنا على هذه الأرض..

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك