النصب ببدلة أنيقة

أسماء عبد الله القطيبي

قبل أيام تم إلقاء القبض على ملكة جمال إحدى ولايات الولايات المتحدة بعدما تبين أنها كانت تدعي إصابتها بالسرطان لجمع تبرعات لصالح جمعيات خيرية لعلاج المصابين، وتمّ تجريدها من لقبها وتاجها والزج بها في السجن بانتظار المحاكمة، وقبلها بأشهر صدم المغردون العرب بـ "سارة إبراهيم" الفتاة السعودية المصابة بالسرطان، والتي كانت تنشر صور يومياتها ورحلتها مع العلاج، حيث تبين أن الحساب يديره مجموعة محتالين عرب، يعرضون فيه صور فتاة أجنبية من صفحتها مع إجراء بعض التعديلات اللازمة، ويستغلون تعاطف المغردين الذين كانوا يتبرعون بسخاء للطفلة الوهمية. نموذجان من قصص تتكرر بشكل دائم هدفها استغلال الناس ماديًا، وللحصول على مكاسب أخرى كالشهرة السريعة. حيث إنه في عالم متسارع كالذي نعيشه يبحث الناس عن مجدهم الخاص، ذلك الذي يجعلهم يتميزون عن الجماعة ويحتلون الصدارة. ولأن الوصول إلى هذا المستوى صعب غالبا فإن الطرق الملتوية تفتح الأبواب على مصراعيها.

الطرق الملتوية غالبا ما تعتمد على استدرار عواطف الناس، وتلامس معاناتهم الواقعية، فادعاء الإصابة بالمرض، خاصة الأمراض الخطيرة والمزمنة يفعل في قلوب الناس مفعول السحر، بحيث يعد أي تشكيك في مصداقية الشخص أو طلب التأكد من الأمر قلة احترام وجرحا لمشاعره. وهذه النيات الحسنة غالباً ما تستغلها عصابات النصب لضمان استمرارية نجاحاتهم. وهم في بحث دائم عن طرق جديدة للاحتيال على الناس، فالطرق القديمة المتمثلة في التواصل المباشر بدأت تقل ليصبح التركيز أكثر على شبكة الإنترنت، حيث العدد الكبير من الناس بمختلف مستوياتهم العمرية والمادية والثقافية. وحيث يرتدي النصب بدلة أنيقة ويتحدث بلغة أكثر لباقة.

إن مفهوم التصدق أو التبرع في مجتمعاتنا مختلط مع مفاهيم أخرى كالتسول والاستغلال وهذا برأيي له عدة أسباب وأولها أن كثيرا من المتبرعين يهتمون بالتبرع كعبادة دينية في المقام الأول، أي أن يقوم الشخص بأدائها دون اهتمامه كثيرا بالجهة التي تبرع لها، فأجر الصدقة هو المقصد. الأمر الآخر هو عدم المفاضلة في أولوية الاستحقاق، فالفقر والجوع والكوارث مثلا أولى بالتبرع من بناء دور العبادة وترميمها، وهذا لا يعني أني لا أريد أن يتبرع الناس لما يريدون أو لما يجدونه أنفع، وإنما أن يكونوا أكثر قربا من المعاناة الإنسانية وأكثر تقديرا لحاجاتها، مما يجعلهم يعيدون النظر في أولويات عطاءاتهم. والأمر الثالث والأهم هو أن يكف الناس عن التصرف وفق عواطفهم دون تحكيم عقولهم وموازنة الأمور بمنطقية، خاصة وأن الأمر صار أسهل مما كان عليه سابقا، حيث الجمعيات الخيرية التي تملك الإحصائيات الدقيقة، التي تضمن للشخص عدم تعرضه للاستغلال والنصب.

إن الكذب واستجداء التعاطف من أجل الحصول على الأموال أمر يبدو مفهوماً لوضوح دوافعه، ولكن الأمر الذي يبدو غير مفهوم أو مبرر هو نشر الإشاعات عن إصابة الناس بأمراض خطيرة أو حوادث مميتة، خاصة وأن الأمر انتشر كثيرا في الفترة الأخيرة عن طريق برامج التواصل، مما جعل بعض الأهالي يتوعدون برفع دعاوى ضد ناشريها، فحقا لا أدري أين تكمن المتعة في نشر أخبار غير مؤكدة، تثير الرعب والحزن قبل أن يظهر أنها مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة. واللوم إن كان يقع على صاحب الإشاعة فهو أيضًا يقع على من ينشرها، كون النشر مسؤولية تعرض صاحبها للمساءلة. و اتخاذ الإجراءات القانونية أمر ضروري بحق هؤلاء. ليكون رادعا لهم ولغيرهم.

إنّ الجهل وحده هو من يعزز عمل أصحاب الطرق الملتوية في الحصول على المكاسب المادية والمعنوية من آخرين لا يفوقونهم ثراء وقدرة، لذا فالواجب على كل شخص أن يكون حذرا لكل ما يعرض له وما يصل إليه. بحيث يتثبت من الأمر ولا يكون ضحية استغلال يجعله يعض أصابع الندم. فكما أن القانون لا يحمي المغفلين، فعدم التثبت أيضاً لا يحمي المغفلين من ضياع أموالهم واستغفال مشاعرهم.

asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك