عن "بيوت شباب" الأشخرة

محمد العريمي

حالة من المرارة والألم والكآبة أصابتني بعد آخر زيارة لي إلى "بيوت الشباب" في الأشخرة، ذلك الصّرح المعماري الذي توقعت كما توقّع الكثيرون أن يشكّل نقلة نوعيّة كبيرة في خارطة السياحة المحلّيّة بالأشخرة وما جاورها في ظل عدم وجود بنية تحتيّة سياحية بالمنطقة، و"يسهم في تعزيز البنية التحتية السياحية في السلطنة، وسيصبح وجهة سياحية داخلية تستقطب مختلف فئات المجتمع ومشروعا ناجحا يفضي في نهاية المطاف لبلوغ اهدافه وغاياته" كما أتى ذلك في كلمة وزارة السياحة عند افتتاحه في يونيو 2004، ذلك أن هذا (المعلم) السياحيّ المهم كان في حالة يرثى لها من الإهمال واللامبالاة التي وصلت إلى درجة إغلاق حوالي نصف الشقق التي يتكوّن منها المبنى، وإلى درجة عدم تغيير أثاث بعض الغرف والمرافق منذ افتتاحه قبل إحدى عشر سنة من الآن!!

هذا المشروع الذي هو في الأساس مكرمة سامية من مكارم جلالته المتعدّدة لأبنائه الشباب ليكون مكاناً يوفّر لهم الاقامة المناسبة بأسعار زهيدة، كما هي فكرة بيوت الشباب في كثير من دول العالم، وليحتضن مناشطهم الثقافيّة والاجتماعيّة المتنوّعة، أخذ منحى آخر، فبدلاً من أن يتبع الجهة المعنيّة بالشباب وكان في وقتها الهيئة العامّة للأنشطة الثقافيّة والرياضيّة أصبح الإشراف عليه من طرف وزارة السياحة، وأصبح الهدف منه هو "تحفيز العائلات العمانية على التنقل في ربوع البلاد، وتشجيع السياحة الداخلية، والافادة من الاسعار المدعومة من الحكومة بهدف تقليل الأسعار العالية للفنادق خصوصاً في المواسم السياحية"، وأصبح مسمى "بيوت الشباب" مجرّد تسمية لا علاقة لها بالفكرة!

في البداية سلّمت البيوت تسليم اليد بأثاثها ومرافقها المتكاملة لأحد المستثمرين العرب المقيمين في السلطنة وقد قام بتوظيف بعض العمالة غير المدرّبة من أبناء المنطقة في أعمال التنظيف والحراسة وإعداد الوجبات وغيرها على أمل أن يتم تدريبهم مستقبلاً، وكان الإقبال على المبنى الأنيق الذي تحيط به رمال الصحراء والقريب من بحر العرب كبيراً لدرجة أنّ هذا المستثمر كان يحدّثني باستمرار عن الاتصالات التي تأتي للبيت من قبل شخصيات كبيرة من أجل حجز إحدى شقق المشروع التي كانت تتكوّن من غرفة واسعة وأمامها صالة أوسع، ومطبخ على النّظام الغربي، وارتفعت تكلفة الليلة لتصل إلى ما يقارب 30 ريالاً بدلاً من السّعر السّابق الذي قرّرته الوزارة والمقدّر بحوالي 12 ريالاً! وبعد فترة من الزّمن فوجئت بسحب المشروع من هذا المستثمر وإغلاق البيوت لفترة من الزّمن، وبالطّبع لم يتم تدريب أحد من أولئك الشّباب الذين كانوا يعملون به.

تعاقدت وزارة السياحة بعدها مع إحدى الشركات العاملة في مجال السّياحة على إدارة المشروع مقابل مبلغ سنويّ تدفعه الوزارة نظير هذه الإدارة، ولم تفلح هذه الخطوة كذلك في إنقاذ المشروع من فشل الإدارة، وبحسب ما سمعته من بعض المسئولين القريبين من هذا الشأن ووما قرأته في إحدى الصحف فإن الحكومة تقوم حالياً بدراسة إحالة "بيوت الشباب سابقا" للاستثمار من قبل القطاع الخاص، حيث تم تكليف الشركة العمانية للتنمية السياحية "عمران" بإعداد هذه الدراسة".

أذكر أنّه في نهاية حفل افتتاح هذا المبنى الذي حضرته كمراسل لاذاعة وتلفزيون سلطنة عمان في ذلك الوقت صرّح وزير الاقتصاد الوطني وقتها "أن هذه البيوت سوف تساعد بشكل كبير الشباب العماني على السياحة الداخلية وذلك للمستوى الراقي والذي شيد به هذا المشروع والذي يباهي مستويات فنادق الاربع نجوم، كما أنّ تسعيرة هذه البيوت ستكون رخيصة للغاية بحيث يصل سعر الجناح الواحد الى 13 ريالا!! كما سوف يساهم بشكل كبير في انفاق المبالغ داخل البلاد من خلال تفعيل دور السياحة في السلطنة، وسيقوم بتطبيق نسبة التعمين للشباب العماني الراغب في العمل حيث تصل هذه النسبة الى 65% من كافة مناطق هذه النيابة الساحلية والمناطق المجاورة لها".

والآن، وبعد مرور أحد عشر سنة على إنشاء هذا المشروع، وعلى الرغم من كل التصريحات الورديّة التي سمعناها من قبل المسئولين عنه في حفل افتتاحه، إلا أنّ كل ما قيل بقي حبراً على ورق، ومجرّد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، فما زال المبنى مجرد مبنى معزول في منطقة بعيدة في أطراف نيابة الاشخرة ومعظم شققه غير صالحة للسكن، وما زالت الخدمات تنقصها الكثير، فلا شباب عماني مؤهّل ومدرّب للعمل به، وإن وجدوا فالمعوّقات كثيرة، ولا حوض سباحة مناسب، ولا مطعم أو مقهى خارجيّ، ولا حديقة يمكن أن تعطي للمكان روعة وجمال، ولا أيّة بنية تحتيّة يمكن أن تخدم مرتادي المكان كمحلات التسوّق أو محلات الحلاقة وتنظيف الملابس وغيرها، ولا خدمات نقل، ولا عروض سياحيّة أو فنّية، ولا ملاعب أطفال، على الرغم من أن توفير كلّ هذا ليس بالأمر الصّعب، وعلى الرغم من أن المنطقة تحتوي كثيراً من المقوّمات التي يمكن أن تجعل المكان أكثر أهميّة ونشاطاً.

إنّ مشروعاً كهذا كان يمكن أن ينجح بكل سهولة ويسر، بل ويتوسّع في منشآته ومرافقه لو وجد الإدارة الجيّدة بعيداً عن المحاباة في ارساء مناقصة إدارته على هذا أو ذاك، وبعيداً عن البيروقراطيّة في إدارته، فنيابة كالأشخرة بها من المقوّمات السياحيّة ما يجعل أيّ مشروع سياحيّ ينجح بها دون بذل كثير من الجهد، فجوّها معتدل طوال العام فما بالك بصيفها الجميل! وكثير من مرافق البنية التحتيّة من كهرباء، وطرق، وهاتف، ومحلات تجاريّة متوافرة، والسياح يفترشون الأرض على امتداد شاطئها بحثاً عن شبه غرفة مناسبة يمكن أن تأويهم، فما بالكم بمشروع كهذا!! وأنا كشخص قد لا أفقه كثيراً في السّياحة يمكن لي وبشيء من العمل البسيط أن أجعل هذا المكان قبلة للسيّاح بحيث لا يكادون يجدون موطأ قدم من التزاحم الذي سيحدث على حجز ولو ليلة فيه، فتغيير الأثاث واستبداله بأثاث عصريّ، وزراعة بعض الشتلات هنا وهناك، وتصميم حوض سباحة تحيط به جلسات خارجيّة ومقهى يديره شباب متخصّص، وغيرها من هذه الأفكار ليس بالأمر المستحيل، خاصّة وأنّ هناك ملايين النماذج العالميّة لمشاريع مشابهة يمكن بضغطة زرّ الاطّلاع عليها والتعرف على تجربتها، ومن ثمّ يبقى التسويق المناسب وكيفيّة جذب الأفواج السياحيّة مع الاستفادة من أبناء المنطقة في تقديم العروض الفنّيّة والثقافيّة من خلال الفرق المنتشرة، وتوفير رحلات سياحيّة للمناطق السياحيّة المحيطة. أي أن المشروع باختصار يمكن أن يسهم في فتح بيوت كثيرة، ويشجع الآخرين على إنشاء مشاريع مماثلة مستقبلاً وهو الأمر الذي نراه في مناطق أخرى مشابهة في العالم، أما أن آتي بشركة لتدير المشروع وكأنّهم موظفين بيروقراطيين في مؤسّسة فهذا يمكن أن يصلح في أيّ نشاط عدا السياحة، ذلك أنّ السياحة في المقام الأوّل صناعة تعتمد على الأفكار الخلاقة، وعلى الاحترافيّة في إداراة أنشطتها، وعلى الابتكار في تقديم الخدمات التي يرغب فيها السائح، لا مجرّد توفير مبنى ووضع موظفين بيروقراطيّين كل مهمّتهم تنفيذ أعمال روتينيّة.

بعيداً عن كلّ هذا يبقى تساؤلي المهم: أين الجهات المسئولة من حكومة، وجهاز رقابة، ومجلس شورى وغيرها من مشروع حكوميّ كهذا طوال أحد عشر عاماً؟! ومن يتحمّل مسؤوليّة فشل إدارته؟! وما مصيره في قادم الأيّام؟!

تعليق عبر الفيس بوك