نقطة ضوء

المعتصم البوسعيدي

يُعتبر الثاني عشر من أغسطس هو يَوْم الشباب العالمي في الأمم المتحدة، والذي أُقر في عام 1998 إيماناً بدور الشباب والمسؤولية الملقاة على عاتقهم في رفعة الأمم والشعوب. وفي عُمان، أكرم مولانا المعظم -حفظه الله ورعاه- الشباب العُماني بكثير من المكرمات، ولعلَّ تخصيص مقامه السامي عامي الشبيبة والشباب في الأعياد الوطنية لدليل واضح على المنظور الحكيم لمستقبل البلاد ورفعته.

واليوم... يجب أن نحتفل بالشباب العُماني، ونقف على واقعهم في كل مجالات الحياة وإسهاماتهم وسبل تعليمهم وتدريبهم ليكونوا قادة الغد وجناحي المجتمع للتحليق بالوطن لآفاق أوسع وأرحب؛ فهذه سنغافورة -كما وصلني من خلال وسائل التواصل الاجتماعي- احتفلت بعيدها الخمسين قبل أيام وهي المستقلة عن ماليزيا في التاسع من أغسطس عام 1965، وكانت حينها من أفقر الدول بحيث لا يتجاوز دخل المواطن دولار ونصف في اليوم (500 دولار الدخل الإجمالي القومي للفرد) أفقر من الصومال وغانا، ولا تملك بنية تحتية ولا نظاماً تعليمياً ولا خدمات صحية ويعيش معظم أبنائها في منازل جماعية متواضعة لا يملكونها، في حين تعتبر الآن من أغنى دول العالم وقد أرتفع دخل الفرد من 500 دولار إلى 55000 دولار، وباتت تمتلك أفضل بنية تحتية ولوجستية وأفضل نظام تعليمي وخدمات صحية، وتعتبر الأولى عالميًّا في نسبة تملك السكان للمنازل بنسبة 92%، والسبب -كما علله قيصر محبوباني أحد الوزراء السابقين في سنغافورة وعميد كلية لي كوان يو للقيادات الحكومية- هو مستوى تأهيل القادة الذين صنعوا معجزة سنغافورة.

واليوم... أين يقف شبابنا الرياضي؟ وما الأرضية الخصبة التي ينبتون فيها؟ وما هو الدور الذاتي والمؤسسي نحو صناعة البطل الرياضي؟ وبنظرة سريعة سنجد هناك جرة ضوء تحمل نماذج مشرقة، فالبطل سامي السعيدي يفاجئنا بين فترة وأخرى بإنجازاته وتفوقه خلال مشاركاته على مستويات كبيرة؛ الأمر الذي يمكن أن يُبنى من خلاله مشروع بطل "قومي" نعم بطل قومي فقد اجتمعت في هذا الشاب القدرة الذاتية والرغبة الصادقة والروح المتوثبة، ويبقى أن يُمد "لوجستياً" من القطاع العام والخاص، وأن يقوم الاتحاد العُماني لألعاب القوى بوضع خطة ممنهجة نحو المضي به للمحافل الإقليمية والدولية.

نقطة الضوء يشع من خلالها التصنيف العالمي لمنتخبات الشواطئ؛ حيث وصل منتخبنا الوطني لكرة القدم ليكون ثامن العالم.. إنجاز ليس بالسهل، ولا يمكن أن ننكر فيه كل الجهود المخلصة التي وقفت وراءه سواء الجانب الإداري الذي يمثله الإتحاد العُماني لكرة القدم أو الجانب الفني من اللاعبين بقيادة الكابتن القدير والمدرب الخبير طالب هلال ومعاونيه، دون أن ننسى أنهم في طريق وصولهم لهذا المركز المشرف تربعوا على عرش آسيا والخليج.

نظل دائما مع نقطة الضوء؛ ففيها تبرز عُمان للإبحار بمنارتها الراشدة، وفي اعتقادي الشخصي أننا بحاجة لاستساخ عُمان للابحار في كل الرياضات؛ فهي تمثل المسلك الحقيقي لاستثمار الشباب وصناعة رياضة محترفة تضم العديد من الأهداف لتصل لرفد الإقتصاد العماني ومده بمورد جديد يقوم على الترويج السياحي المتمثل في جغرافية المكان وتاريخ الزمان وقيمة الإنسان، كما نرى حجم التنافس الرياضي للقوارب العُمانية وتحقيقها للألقاب والبطولات. علاوة على الاستضافات الناجحة كاستضافة بطولات الليزر العالمية التابعة لاتحاد قوارب الليزر العالمي، وكذلك بطولات الناشين لعام 2016 التابعة للاتحاد الدولي للإبحار الشراعي، ومما يُثير الإعجاب مدى التخطيط الجيد والطموح العالي نحو صناعة أبطال أولمبيين ومحترفين وهو ما يثبته افتتاح مدارس للابحار الشراعي في مختلف محافظات السلطنة.

لا يقتصرُ ضوء الجرة على ممارسي الرياضة أو المسؤولين عنها، فثمة نور يُشرق من مصباح الإعلام الرياضي. وبالرغم من كمية النقد الذي يطرح من هنا وهناك، إلا أنَّ الشبابَ العُماني برز بأبهى حلة مع وجود قامات إعلامية لها مكانة مرموقة يُشار إليها بالبنان؛ فقد تمَّ تكريم الإعلامي البارز خميس البلوشي كأفضل شخصية إعلامية خليجية خلال بطولة كأس الخليج الأخيرة (خليجي22)، في حين يبرز اسم الإعلامي سالم الحبسي كرئيس الاتحاد الخليجي للإعلام الرياضي، إضافة لأقلام صحفية معروفة ومحللين وناقدين رياضين أصبحوا في أشهر البرامج الرياضية الخليجية، مع عدد من الطيور المهاجرة في فضاء الإعلام الرياضي.

أخيراً... ومع الاحتفاء بيوم الشباب العالمي نحتاج أن نكون يدًّا بيد لرياضة عُمانية باعثة للفرحِ والسعادة، والنماذج المذكورة على سبيل الذكر لا الحصر، وحتى نحصد يجب أن نزرع، وكي نمضي علينا أن نلتمس الطريق المنيرة أو المنارة؛ فالأرض هي الأرض، والأوطان يُعمرها الإنسان، ولا ريب أنَّ شباب هذه الأرض هم جرة الضوء لغدٍ أفضل.

تعليق عبر الفيس بوك