مرة أخرى أسطوانة رفع الدعم

حمد بن سالم العلوي

أكلما اهتز غصن على تلة في الجوار اهتززنا معه، فكم كنت أتمنى أن يعي بعض المسؤولين، والمثقفين أيضاً وحتى عامة الناس، أننا في عُمان وهي تقف على إرث قوي من الحضارة والتاريخ، يفرض علينا الواجب، أن نراعي إرثنا وحضارتنا في التعاطي مع الأمور، وليس ذلك بهدف التغنِّي بأمجاد الماضي البعيد، ولكن لنعرف الأساس الذي نبني عليه حاضراً أقوى، ولنا أن نأخذ العبرة من جارتنا إيران فحضارتهم وحضارتنا ظلتا صنوان متساويان، فإيران تداعت عليها أمم الأرض وحاصرتها، ولكن كونها دولة صاحبة إرث حضاري وثيق، حوّلت كل سالب ضدها إلى موجب لصالحها، وانتصرت بالصبر والعمل الدؤوب، والاعتماد على الذات، فأنشئت صناعات قوية لها مستقبل واعد، فكيف ونحن ننعم بمصداقية دولية، وليس هناك من يعادينا أو يُحاصرنا، فهل يجوز أن نضع أنفسنا في موقف ضعف؟ بمجرد أن يتخذ الجيران موقفاً اقتصادياً معيناً يخص بلدانهم، فلماذا لا نفكر بطريقة تخالف ردة الفعل المباشرة، وألا ننظر للأمور وكأننا في ربط حبلٍ سري مع الطرف الآخر، فيُفرِّضنا للتغيُّر التلقائي معه، وهكذا ودون مقاومة تذكر حتى مع الذات.

إن تجارب الخطأ والصواب، لم تعد الأسلوب الأمثل لإدارة أمور الدول العريقة، وإلا لا يكون هناك فارق بين من يبني على أساس عميق راسخ، وبين من يبحث عن واقع جديد ليضع أساسه عليه، فعلينا إذن أن نلتمس العذر إلى الجار إذا اضطر إلى اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية أو التنظيمية، وذلك نتيجة لأوضاع متغيرة معه، أو لظروف طارئة استجدت.. فذلك شأنه، فلا أظن أن تلك الظروف بالضرورة يكون لها مثيل معنا، حتى نتعاضد في اتخاذ إجراءات جماعية متوافقة، فهي ليست جائحة مرضية وبائية تنتقل مع الريح، فعندئذ يتوجب توحيد الجهود للتصدي لها، فعلى سبيل المثال موضوع رفع الدعم على المحروقات في بعض دول الخليج، فلا يستحق الأمر أن تطبق عليه القاعدة المعروفة التي تقول (إذا حَلَقَ جارك بِل رأسك) نعم، الواجب يفرض علينا أخذ الحيطة والحذر، ولكن ليس بالحتم أن ننسخ القرار كما هو هناك.

ولا شك أن الذي طرأ هناك أوجب عليهم تنظيم معين، وربما أرادوا أن يجبروا بهذا التنظيم، ذلك الكم الهائل من الوافدين في بلدانهم على المشاركة في تدوير الاقتصاد المحلي، ونقول (ربما) ولكن نحن بطبيعة الحال نختلف عنهم في نسبة عدد الوافدين، وإن رفع الدعم في بلادنا ستتضرر منه شريحة كبيرة من المواطنين، خاصة فئة غير الموظفين، ومع ذلك فلابد من ضبط الوضع في المناطق الحدودية، ومنع استغلال فوارق سعر الوقود، فعلى سبيل المثال، قد نستطيع حل هذه المشكلة ببعض الإجراءات، بحيث لا يُسمح بتعبئة الوقود لغير المركبات العمانية في نطاق (100) كيلومتر، ونحن علينا أن نقبل المعاملة بالمثل، وكذلك نمنع التهريب، ونضع له ضوابط وإجراءات وعقوبات وبصورة سريعة وعاجلة، وتفعيل الرقابة الآلية وغير الآلية في محطات الوقود ضمن ذلك النطاق المحدد.

لأنّه ببساطة شديدة، إذا ربطنا أسواقنا بأسواق الجوار، فإنه علينا أن نستعد لتقلبات كثيرة قد تحدث هناك، فقد تكون بحسن نية أو غير ذلك، وهنا نفقد سيادة القرار الوطني، ثم إنّ أيّ قرار غير متوازن، أو مدروس بعناية فائقة وتعمُّق، بحيث لا يغفل في تلك الدراسة المساس بمسوغات الأمن الوطني، فإنها تظل دراسة ناقصة وخطيرة، بل قد تشكل انعكاسات سلبية على السَّكيِنة والاستقرار، ثم لماذا نفكر في المعالجة بطريقة الانقياد والإذعان فقط، في حين أنّ الواقع يقول بضرورة اقتناص الفرص، وهنا لا أقصد بأسلوب التجار المتربصين للفرص، الذين إن حاولوا استغلال الأزمات، فإنهم لن يفلتوا من رقابة الهيئة العامة لحماية المستهلك، فستكون قريبة منهم كما عودتنا على ذلك، ولكن الذي أقصده، أن نحاول فطم المواطن بطريقة غير مباشرة عن عادة البحث عن الأرخص هناك، وذلك بتوفير الأرخص والأجود والمضمون هُنا، وذلك يتحقق عندما نوفر له مبتغاه في مكان قريب وآمن داخل الوطن، فقد أصبحنا اليوم نمتلك البنية الأساسية، كالموانئ والمطارات والإطلالة القريبة من الأسواق العالمية، ولكن مع وقف التنفيذ في الاستغلال الأمثل لها.

إن التغلب على البيروقراطية الإدارية، والعقد الكثيرة غير الضرورية في الإجراءات، أمر مهم وضروري وعاجل جداً، فنحن الأوفر حظاً بالنسبة للموقع الجغرافي المتميز، والشهرة الدولية للسلطنة، كبلد متسامح ومحب للسلام، وهذه الخصوصية أصبحت اليوم أكثر شيوعاً حول العالم، ولدينا شباب كان لا يتأفف من العمل، فيجب أن نعيده إلى نفس العقيدة السابقة وأفضل، وألا نجعله يقع ضحية للإعلام الخارجي، الذي يحاول أن يفت في عضده، ويصور له نهجا آخر بهدف تحويله إلى إنسان مستهلك، أكثر مما هو منتج وفاعل في نهضة بلده ومجتمعه، فقط يحتاج إلى بعض التنظيم والدعم، ويحتاج إلى مظلة تحميه من المجهول، وشعار وهدف يُرسمان له حتى تدور عجلة العمل ويشق طريقه المستقبلي، وعندئذ ستشهد السلطنة نقلة اقتصادية نوعية، وبذلك ستصبح الأيدي الوطنية العاملة، لا تحتاج إلى حضانة الحكومة بعد ذلك، وقد يحدث العكس في المستقبل القريب، بحيث تكون الحكومة في مظلة القطاع الخاص القوي.

إذن على متخذي القرار عدم التسرع في رفع الدعم في الوقت الراهن، وعدم سلوك الطرق الأسرع فقد لا تأت بالنتائج المرجوة، لأن ليس كل سريع مفيد، ولكن ليس من ذلك إكثار العقد الإدارية وإطالة الإجراءات غير الضرورية، أو النوم بانتظار أن تحل الأمور بالأحلام الوردية، وإنما بالإخلاص للوطن، والتفاني في العمل، وإتقان للمهنة، والحرص على تحقيق الأهداف القومية الكبرى، وليس الأهداف الصغيرة الفردية، التي تشتت الجهود، وتضيع النتائج بالتنافر والتحاسد.. والله من وراء القصد.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك