ماذا لو كان كلامه صحيحاً؟

زاهر بن حارث المحروقي

الملاحظ أنّ قسماً كبيراً من العمانيين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يتعاملون مع الأمور من منطلق عاطفي فقط؛ والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ إذ يستطيع أيُّ أحد -حتى وإن كان مجهولاً- أن يشغل الناس بتغريدة يمدح فيها عمان والعمانيين، فإذا هذه التغريدة تتداول وتنتشر بشدة، وكأنّ الناس يعانون من عقدة النقص، والعكس كذلك؛ إذ يستطيع أيُّ أحد -حتى وإن كان نكرة- أن يكتب تغريدة ينتقد فيها عمان أو العمانيين، فإذا هي تشغل الناس وتثيرهم، لدرجة أن يخرج البعض عن طوره وعن الصفات التي عرف بها العمانيون، فنجد البعض ينساق ويلجأ إلى السب والقذف، دون أن يتأكد من صحة ما جاء في التغريدة؛ فيما الغيرة والحميّة لا تكون بتلك الردود، وإنما بإصلاح الخلل إن كان موجودا.

مؤخراً انشغل الناس في عمان بتصريح نُشر في أحد الصحف الإنجليزية الصادرة في السلطنة، لرئيس تنفيذي لشركة تعمل في مجال الحديد، أشار فيه إلى غياب ثقافة العمل عند الشباب العماني، وأنّ "العمانيين غير قادرين على إنتاج جرام واحد من الحديد بدون الأجانب"، حيث أثار التصريح نقاشاً واسعاً عبر مجموعات "الواتس آب"، وكذلك "تويتر"، وتم فتح صحفة للنقاش حول التصريح، بل صدرت الكثير من البيانات حول ما جاء فيه، دون أن يتم البحث في صحة ما ذكره ذلك المدير.

هناك مشاكل كثيرة في القطاع الخاص، وقد يكون مبدأ "الأمان الوظيفي" مفقوداً عند الكثيرين من العاملين، ممّا قد يعرقل الإنتاج، فأغلب شركات ومؤسسات القطاع الخاص يديرها أجانب، ويشكلون فيما بينهم ما يشبه "اللوبي"، لإزاحة الشباب العماني وإحلال الأجانب محلهم، إلا أنّ تصريح المدير المذكور -في ظني- هو تصريح إيجابي قد لا يدخل ضمن خطة الإزاحة، فبعيداً عن العاطفة التي تقول إنّ الرجل أهان العمانيين، ففي رأيي من شأن تصريح كهذا أن يفتح النقاش على مصراعيه عند أهل الاختصاص حول مشاكل العمل في القطاع الخاص، وسيطرة الأجانب على الأمور على حساب المواطنين، ومشكلة عدم تأهيل العمانيين ليتبوءوا المراكز العليا في هذا القطاع وبالذات في الشركات، ثم إنّ المسألة تحتاج إلى دراسة وبحث حول ازدياد الأجانب الذين وصل عددهم إلى نصف عدد السكان، فيما نسبة الشباب في عمان تزداد، بما يعني أن هؤلاء الشباب بعد فترة بسيطة سيكونون قنبلة قد تنفجر في أي لحظة، إذا لم يجدوا أعمالاً؛ ولكن، وأشدد على "لكن" هذه، فالرجلُ قد يحاكم، وقد يسفّر من عمان، فهل في ذلك حل..؟ إنّ المسألة تحتاج إلى مناقشة ما جاء في كلامه، فهل فعلاً أنّ ثقافة العمل عند الشباب العماني معدومة؟، إذا كان الرجل قد قال ذلك ليبعد الشباب العماني عن العمل فهذا خطأ؛ ولكن ماذا لو كان كلامه صحيحاً وأنه عانى الأمرّين من الشباب بعدم انضباطهم وكثرة غيابهم واعتذاراتهم؟ وماذا لو فعلاً أنّ الشباب العماني ليس لديه حس المسؤولية وتنقصه ثقافة العمل؟ وماذا لو أن بقية المؤسسات والشركات والمصانع تعاني من ذلك؟

هناك من نظر إلى التصريح من زاوية ضيقة فقط، وهي زاوية أنّ التصريح أهان الشباب العماني؛ وهناك من نظر إلى المسألة من زاوية أكبر وأوسع، وهي أنّ زرع قيمة العمل والانتاج والإخلاص في الشباب، هي السبيل الوحيد للتخلص من أيِّ لوبي قد ينشأ في القطاع الخاص وفي الشركات، رغم أنّ الرجل طالب الحكومة أن تؤهل الشباب بزرع ثقافة العمل فيه، ممّا يدل على أنه يعرف الخلل من خلال عمله في رئاسة الشركة على مدى سبع سنوات.

يجب أن لا تأخذنا العزة بالإثم، ويجب أن نعترف بالخطأ إن كان موجوداً، فإذا صدق الرجل فيما قاله، فإنني أشبَّه المسألة بأنّ إنساناً مّا يعمل عيباً، فلا يثير ذلك العيب أحداً أبداً، ولكن يأتي أحد فيكشف هذا العيب، فإذا القيامة تقوم عليه لأنه كشفه على الملأ، وكأنّ فعل العيب نفسه ليس خطأ وإنما كشفه هو الخطأ؛ فقضية معاناة العمانيين في القطاع الخاص موجودة وكبيرة ولا ننكر ذلك (وقد سبق لي وأن كتبت أكثر من مقال في هذا الخصوص)، وربما هذه الهبة التي قامت ضد هذا التصريح تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة مشاكل القطاع الخاص وغياب العمانيين عن مواقع المسؤولية في الشركات، وتأهيلهم التأهيل الصحيح ليتصدروا المشهد، وذلك لن يكون أبداً إذا كان مجرد تصريح يشير إلى الخلل في الإنتاج قد أثار الناس بهذه الطريقة.

وفي الواقع هناك قصص كثيرة يحكيها مديرو القطاعات التي يعمل فيها بعض الشباب العمانيين؛ حيث سبق لي أن نقلت حكاية حكاها مدير إحدى محطات تعبئة الوقود في السلطنة في مقال تحت عنوان "الدولة تجني ثمار ما زرعت" نشر في مجلة الفلق الألكترونية في 3/5/2011؛ (أي قبل أربع سنوات من تصريح هذا المدير)، حيث قال إنّ قرار التعمين ألزمه أن يشغل 5 شباب عمانيين، ولكنه عانى أشد المعاناة من غيابهم وتسيّبهم في العمل، فما كان منه إلا أن اجتمع بهم وطلب منهم أن يأتوه نهاية كل شهر ليستلموا رواتبهم فقط دون أي عمل، وأحضر عنهم عمالة آسيوية، وعمله الآن -حسب كلامه- على خير ما يرام؛ وفي المقال نفسه أشرت إلى موقف آخر هو أن هناك من الشباب العاملين في القطاع الخاص قدّموا استقالاتهم حتى يستفيدوا من ميزة الـ 150 ريالاً المخصصة للباحثين عن العمل، فيما ترك بعض الشباب الدراسة حتى يلتحقوا بالعمل في العسكرية، وقلت حينها إنّ هذا مؤشر له دلالته..!

إنّ القطاع الخاص قطاعٌ هام بالنسبة للعمانيين، لأنّ أي حكومة في العالم لا تستطيع أن تستوعب كلَّ الباحثين عن العمل، لذا على الحكومة أن تركز على دراسة مشاكل هذا القطاع، وأن تعمل على وضع الحلول الحقيقية والمناسبة وبأسرع وقت ممكن لتذليل كلِّ الصعوبات أمام العمانيين، وكذلك فإنّ موضوع الاستثمارات الخارجية في عمان بحاجة إلى دراسات مستفيضة، ويجب أن لا نعتمد على الأجانب في ذلك؛ وعلينا أن نهتم بثقافة العمل، وعندما يكون الشباب العماني فعلاً مخلصاً في عمله وفي عطائه، فلن يتجرأ أيٌّ كان أن يطلق تصريحاً كذلك التصريح، الذي رأى فيه البعض إهانة للشباب العماني؛ وبالتالي يجب أن لا يُنظر إلى أي تصريح أو رأي من زاوية شخصية ضيقة، بل يجب أن يُنظر إليه من منظور وطني عام، لأن التحديات أمامنا كثيرة، والأخطار تحدق بنا من كل صوب.

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك