توجيه مُشرف

عيسى الرَّواحي

قال لي: "احْرِص يا أستاذ أشدَّ الحرصِ عِنْد نهايةِ كلِّ عامٍ دراسيٍّ أو قبل بدايةِ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ أنْ تجلسَ وحيدًا فردًا في مكان هادئ رائع ذي نسيمٍ عليلٍ ومنظرٍ جميلٍ بَعِيْدا عن الضَّوضاء والضَّجيج، ومُشتِّتات الذِّهن والفكر، تخلو بنفسِك وتَسْرَح بفكرِك تُقلِّب جميعَ صفحاتِ العامِ الدِّراسيِّ المنصرمِ مِن بدايتهِ حَتَّى نهايتهِ؛ مُتذكِّرا جميعَ محاسنه وما قد شابَه من كَدَر وهفوات، وتقف عند المواقف التي تَسْتَدْعي الوقوفَ مليًّا، وتنظر إليْهَا جليًّا، وتأخذ مِنْها مَا استفدت مِنْ دروسٍ وفوائد، وتخلُص مِن تلكَ الاستراحةِ الخلويَّةِ -وبيدك ورقة وقلم- بأمورٍ لا بدَّ مِنْها تتمثَّل فِي الملاحظاتِ التي دوَّنْتَها، وترى أنَّه من الأهميَّة أو الضَّرُوْرة تلافيها أثناء عمليَّة التَّدريس، والمحاسن التي تَرَى أنَّه يجب تعزيزها وتطويرها نحو الأفضل، والمواقف التي تعلَّمتها لدروسِ الحَيَاة، وما الذي حَدَث وتمنيته لم يكُن، والذي لم يكُن وتمنيت تنفيذَه، والأفكار البنَّاءة وطرائق التَّدريس الجديدة التي تَنْوي العَزْم على تنفِيْذِها فِي رحلتكِ التَّدريسيَّة للعامِ المقبل؛ فرسالةُ التَّدريس ليستْ مِهْنَة جامِدَة، بل هِي عمليَّة مُتجدِّدة تشهد تطويرًا مستمرًّا وتجديدًا مًتواصلًا. ومَعَ إيمانِنَا بأنَّ المؤمنَ مِرْآة أخيه، فإنَّ المَرءَ بصيرٌ بنفسه، خبيرٌ بحاله، وأدرى بوَضْعِه كيف يطوِّر نفسه، ويَرْقَى بعلمِهِ وعملِهِ".

هذه خُلاصة ما أفاضَ به أحدُ أساتِذَتي المُشْرِفيْن الأعزِّاء يومَ كنتُ مُدرِّسًا، ويحقُّ لي أنْ أدوِّنَ فِي هذهِ العُجَالة خالصَ ودِّي وشُكرِي وعِرْفَاني وتقدِيْري لجميعِ المشرفيْن التربويِّين الذين أشْرَفوا عليَّ طِيْلَة فترةِ التَّدريس؛ فَقَد أفاضُوا عليَّ من عِلْمِهم وخبراتهم الشَّيء الكثير، وكانُوا فِي كلِّ ما وفَّقنا الله إليه من مَهَارة وتقدُّم في رسالة التَّدريس أصحابَ فضلٍ ومِنَّةٍ بَعْد الله تعالى.

لَقَد كُنتُ أحرص أشدَّ الحِرْص على الاستفادةِ مِن زيارةِ كلِّ مشرفٍ تربويٍّ، وكَانَ أكثر ما يهمني سماعه والأخذ به: ما يُدوِّنه مِن مُلاحظات أثناء زيارتِهِ الصَّفيَّة؛ للتغلُّب عليها وتلافيها في الحِصَص الدراسيَّة القادِمَة، والاستفادةُ مِنْهم لا حَصْر لها؛ حيثُ التَّنويه إلى المَحَامِد ومَوَاطِن القوَّة وكيفيَّة الثباتِ عَلَيْها وتطويرها، والتنبيه إلى الملاحظات وآليَّة التغلُّب عليها، وطَرْح الأسئلةِ والتزوُّد مِن الخبرات والمعارف، والنقاشات الهادفة الجميلة التي تَرْقَى بالعمليَّة التعليميَّة فِي وقتٍ كنتُ أجدُ فيْهِ جَمْعًا كبيرًا من الأساتذةِ الكرامِ في مُختلف المدارس يتأفَّفون من زيارة المشرفين، ويرونها ثقيلةً لا طائل منها، وهناك مَنْ يُوقن بأنَّها مَضْيَعة للوقت وأنَّها تعقُّب للأخطاء وتصيُّد في الماء العَكِر، ومع أنَّنا لا نَنْفِي وجودَ مشرفيْن لا يرقون إلى هذهِ الأمانةِ العظيمة، فإنَّ الغالبيَّةَ العُظْمى مِنْهم ينبغِي الإشادة بهم، والاستفادة منهم، والتزوُّد مِن خبراتهم ومعارفهم.

وعَوْدَة إلى تَوْجِيه المشرف فِي بدايةِ المقال، فإنَّ التدريسَ لَهُ سرُّ جمالٍ أخَّاذ، يجهلُه كثيرٌ من أرْبَابِه، وهو فنٌّ ومتعةٌ ونشاطٌ وحيويَّةٌ وإبداعٌ، ولا يُمْكِن الوصولُ إلى كلِّ هذا مَا لَمْ يتملَّك صاحبَه حبٌّ ورغبةٌ فيه. ومهنةُ التَّدريس كذلك بحَاجَة مِن صاحِبِها إلى التَّجديد فِي طرائِقها، والاستفادةِ مِن الخبراتِ والمعارفِ، والعملِ الدَّائمِ على تَلَافِي الأخطاء والملاحظات وتقبُّلها أولاً بصدرٍ رَحب مِن أيِّ مصدرٍ كان، والحرصِ على توظيفِ الوَسَائل الحَديثةِ ومصادر التَّعلُّم المتجدِّدةِ فِي مهنةِ التَّدريس، والنظرة الأبويَّة الحَانِيَة على الطُّلاب فهم أبناؤنا في المدارس، إضافة إلى الالتزامِ الوظيفي بشتَّى نواحيه، وعَدَم تأجيلِ الأعمال وتَسْوِيْفِها، وجدولةِ الوقتِ وتنظيمه وحُسْن استغلالِهِ داخل المبنى المدرسيِّ، ووضع خطةٍ واضحةِ المعالم فيما يخُصُّ عمليَّة التَّدريس، وما يتعلقُ بها قبل بَدْء العامِ الدِّراسي.

... سيطلُّ عليْنَا عمَّا قريب -بإذن الله تعالى- العامُ الدِّراسيُّ الجديد (2015-2016)، ونُوْقِن أنَّ هُناك تحدِّيات كبيرة يُواجهها قطاع التَّعليم في وَطَنِنا العزيز رَغْم ما شَهِدَه هذا القطاع من تطوُّرٍ ودَعْمٍ حُكُوْمِيٍّ سخيٍّ لا مَحْدُوْد، وإيمانُنا راسخٌ بأنَّ المعلمَ لَهُ الدَّوْر الأكبر وبِيَدِهِ الكثير مِن الأسبابِ التي تُمكِّنه مِن النُّهوض بمستوياتِ الطُّلاب نَحْو الأفضلِ، والأخذ بأيديْهم إلى مَا يُرْضِي الطُّموح ويُحقِّق الآمال. ومَعَ هذهِ الإطلالةِ السَّعيدة التي نَنْتَظرها بشَوْقٍ وسعادةٍ، فإنَّنا نرفعُ إِلَى جميعِ العامليْن بالمَيْدانِ التربويِّ -وعلى رأسهم: الأساتذة الأجلاء، والأستاذات الفُضْلَيات- فِي رُبُوْعِ الوطنِ العزيزِ التحيَّة والتَّقديْر والشُّكر والثَّناء والعِرْفَان على ما يبذلُوْنَه في خِدْمَة العمليَّة التَّعليميَّة.. وكل عامٍ والجميعُ بخير.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك