"غرسوا فأكلنا وغرسنا فيأكلون"


إيمان بنت الصافي الحريبي
تعتبر السياحة من أكثر الصناعات نمواً في العالم، فقد أصبحت اليوم من أهم القطاعات في التجارة الدولية، ومن منظور اقتصادي هي قطاع إنتاجي يلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل وفرصة لتشغيل الأيدي العاملة، وهدفاً لتحقيق برامج التنمية.
ومن منظور اجتماعي وحضاري، فإنّ السياحة هي حركة ديناميكية ترتبط بالجوانب الثقافية والحضارية للإنسان، بمعنى أنّها رسالة حضارية وجسر للتواصل بين الثقافات والمعارف الإنسانية للأمم والشعوب، ومحصلة طبيعية لتطور المجتمعات السياحية وارتفاع مستوى معيشة الفرد.
وعلى الصعيد البيئي تعتبر السياحة عاملاً جاذباً للسياح وإشباع رغباتهم من حيث زيارة الأماكن الطبيعية المختلفة والتعرف على تضاريسها وعلى نباتاتها والحياة الفطرية، بالإضافة إلى زيارة المجتمعات المحلية للتعرف على عاداتها وتقاليدها.
ونحن في وسط أجواء الضباب والرذاذ تأتي إلينا الكثير من الأفكار حول هذا القطاع ومستقبله وكيف يمكن أن يتم تفعيلها لتحقيق الأهداف المأمولة منه بشكل فاعل كما ينتظر الجميع من هذا القطاع الواعد. وعندما يتساوى كل من التخطيط والتنمية السياحية في الأهميّة من أجل حماية التراث الثقافي لمنطقة ما. وتشكل المناطق الأثرية والتاريخيّة، وتصاميم العمارة المميزة وأساليب الرقص الشعبي، والموسيقي، والدراما والفنون والحرف التقليدية والملابس الشعبية والعادات والتقاليد وثقافة وتراث المنطقة عوامل تجذب الزوار، خاصة إذا كانت على شكل محمية يرتادها السياح بانتظام، فتتعزز مكانتها أو تبقى ذات أهميّة أقل، وكل ذلك يرجع للطريقة التي تتم بها تنمية السياحة وإدارتها ولعل السلطنة في هذا الجانب تقدم أروع الأمثلة في العناية بالتراث وإبرازها كهوية للبلد/ ويُعد مهرجانا مسقط وصلالة أمثلة رائدة في ما تقدم من اهتمام بالتراث يسجل انفراد هذا البلد لدى كل سائح يزوره.
إنّ ما يهمنا الآن ونحن نؤسس لقطاع السياحة أن تكون مشاريعه ركيزة أساسية وهي الاستدامة على أن نعمل اليوم مع الأخذ برفاهية أجيال المستقبل وفق مبدأ "غرسوا فأكلنا وغرسنا فيأكلون". ومن أهم محاور التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل عن طريق السياحة التي حبانا الله بها؛ فسلطنتنا الحبيبة تزخر بالكثير من الميزات والمقومات التي تدعم تأسيس الكثير من المشاريع السياحية في مختلف ربوع السلطنة، ويمكن أن نطرح واحدًا من الأنماط السياحية التي يمكن أن تخلق ميزة تنافسية للسلطنة ألا وهي "السياحة البيئية" وهي النمط السياحي الذي يضع الحفاظ على البيئة في قمة أولوياته.
وحتى تحقق السلطنة هذه الميزة التنافسية علينا أن نضمن أربعة محاور أساسية وهي أن تكون هناك إستراتيجية سياحيّة متكاملة تكون غايتها النهائية المواءمة بين تعزيز السياحة الهادفة والحفاظ على البيئة البحرية. والمحور الثاني أن يتم وضع تشريعات ولوائح وقوانين تعزز القوانين واللوائح البيئية السارية، والمحور الثالث أن يتم تعزيز قدرت رأس المال البشري من خبراء ومستشارين ومرشدين سياحين متمكنين من الجوانب البيئية بالإضافة إلى الجوانب السياحية؛ أمّا المحور الرابع فيتمثل في تأسيس نمط سياحة بيئية ناجح تتماشى هويّته مع سياسة السلطنة وتعزز أيضا أنماطا سياحية أخرى وتتكامل معها مستفيدة من المقومات السياحية الفريدة في السلطنة، مما يتيح صناعة سياحة حقيقية تتيح التعرف على الكنوز التي تحتويها عمان التي ستبهر العالم - دون شك - إذا ما تم التخطيط السليم لاستغلالها.
 وعلى سبيل المثال تعتبر كوستاريكا من أنجح الدول في العالم في مجال السياحة البيئة وذلك لاعتمادها على المحاور المذكورة بالإضافة لدمجها لمبادئ السياحة والبيئة التي تعتمد على المنتجات والخدمات ورأس المال البشري المحلي فجميع الفنادق هناك تبنى من المواد المحليّة وإدارتها وموظفوها وعمالها وموردوها مواطنون محليون، وهذا ما يمكن أن نعتبره واحدًا من صميم مبادئ التنمية المستدامة. وإذا ما علمنا أنّ هناك شريحة كبيرة من السياح تختار وجهتها السياحية بناءً على اهتمام وجهتهم بالبيئة فيختارون الأماكن التي لا تضر بالبشر ولا الحجر والشجر؛ وفي السلطنة خير مثال على هذه الوجهات المطلوبة.
وليس من المغالاة إن قلنا أن تكون السياحة عاملاً بارزاً في حماية البيئة عندما يتم تكييفها مع البيئة المحليّة، والمجتمع المحلي، وذلك من خلال التخطيط والإدارة السليمة. ويتوفر هذا عند وجود بيئة ذات جمال طبيعي وتضاريس مثيرة للاهتمام، وحياة نباتيّة برية وافرة وهواء نقي وماء نظيف، مما يساعد على اجتذاب السياح.

 

تعليق عبر الفيس بوك