حذار.. من طفل نبتت بين أصابعه النار

عبيدلي العبيدلي

اشتعلتْ الحرب الإعلامية بين العرب والإسرائيليين، إثر اقتحام مجموعة من المستوطنين اليهود منزلَ عائلة فلسطينية في الضفة الغربية وإضرام النار فيه؛ مما أدى إلى قتل طفل فلسطيني، "يبلغ من العمر 18 شهرًا، كما أصيب والدا الطفل وشقيقه (4 أعوام) بجروح خطيرة، وكتب المعتدون على جدران المنزل عبارة باللغة العبرية تعني الانتقام". وكما كان متوقعا، لم يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بُدًّا، لتلافي ذيول تلك الجريمة، من المسارعة إلى إدانة الحادث واصفا إيّاه بأنّه "إرهابي وشنيع". وأردف ذلك بتغريدة قال فيها "هذا هجوم إرهابي. تتعامل إسرائيل بحزم ضد الإرهاب بغض النظر عن مرتكبيه".

وكان يُمكن أن نعتبر ذلك حادثًا عرضيًّا استثنائيا لو أنه حدث في بلاد لا تصل لها اليد الصهيونية. فتاريخ الحركة اليهودية، حتى قبل تأسيس الكيان الصهيوني، تشير إلى تشرب ذلك الكيان بالرغبة في الانتقام، كما جاء في كتابات المعتدين على المنزل، كما أنّ سياساته مشبعة بالمجازر ضد المواطنين الأبرياء، الذين لا ذنب لهم سوى انحدارهم من أصول فلسطينية.

فبين عامي 1937 و1948 -وكما يقول عبدالرحمن الهاشمي، في صفحة "الفيس بوك" الخاصة- ارتكب الكيان الصهيوني ما يربو على 54 مجزرة، وليس اعتداء على منزل فقط.

أما في القرن الواحد والعشرين، وتحديدا خلال الفترة ما بين 2006-2014، وكما يوثق موقع فضائية "الجزيرة" القطرية، شنت قوات الكيان الصهيوني "ستة حروب على قطاع غزة، كان للضحايا من بين صفوفهم حصة الأسد. فقد بلغ مجموع عدد الضحايا، كما نشر الموقع "1097 طفلًا"، كانت أول وجبة بينهم في "العام 2006 عندما شنت إسرائيل حربًا أسمتها أمطار الصيف، خلفت 58 طفلًا شهيدًا، وآخرهم في العدوان الأخير (الجرف الصامد) في العام 2014، حيث أسفر العدوان عن استشهاد 535 طفلًا، منهم 371 أعمارهم 12 سنة أو أقل من ذلك".

لكنَّ تقارير دولية أخرى، تُورد أرقاما أعلى من ذلك بكثير، ففي عدوان "الجرف الصامد"، وحده، كان هناك -وفقا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)- "ما يزيد على ألفي طفل على الأقل تعرضوا لإصابات وجروح متعددة المستويات من جراء القصف على القطاع، وإن 142 مدرسة تضررت، منها 89 تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".

ورغم قسوة القتل، إلا أن ما هو أسوأ منه، تلك التأثيرات التي تركتها وراءها موجات العدوان المتكررة التي لم تتوقف عنها قوات الكيان الصهيوني، على الأراضي الفلسطينية. هذا ما يحذر منه الطبيب النفسي الفلسطيني إياد زقوط، الذي يعمل مع برامج الصحة النفسية التي تنفذها الأمم المتحدة في قطاع غزة، حين يقول: "وفضلا عن القتل والتشريد، يعاني عشرات الآلاف من الأطفال في غزة من صدمات نفسية جراء ما يشاهدونه من دمار ومناظر مأساوية ناتجة عن العدوان الإسرائيلي، (مضيفا) أنه لتقديرات اليونيسيف فهناك قرابة 326 ألف قاصر في غزة بحاجة إلى دعم نفسي".

وهذه مسألة تحدثت عنها صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير خاص نشرته بمناسبة الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية الثالثة (2014) على قطاع غزة، نوهت فيه "إلى أنه وبعد عام من الحرب لا يزال الصبية في إحدى مدارس غزة -والتي مات فيها 6 أطفال في قصف إسرائيلي الصيف الماضي- يشعرون بفقدان زملائهم، موضحة أن الندبات نفسية وتركت أثرا كبيرا في أنفس الأطفال، ولفتت إلى أن عدد القتلى من الأطفال بلغ 551 طفلا وبلغ عدد المصابين من الأطفال أيضا 3436 طفلا 10 في المائة منهم أصيبوا بإعاقة دائمة بينما قتل طفل إسرائيلي واحد وأصيب 270 آخرون".

وتنتقي تلك الموجات العدوانية الصهيونية ضحاياها من بين المدنيين، ولا تتردد أن يكون بينهم أطفالا ونساء. هذا ما تشير له إحصاءات الأمم المتحدة التي تؤكد في أكثر من تقرير على أن ما يزيد على "70% من القتلى الفلسطينيين مدنيون، وثلث العدد الإجمالي للقتلى المدنيين هم من الأطفال، إضافة إلى ذلك تضررت خلال 29 يوما من العملية العسكرية الإسرائيلية (يوليو 2014) في غزة 142 مدرسة، من بينها 89 تديرها الأونروا، (بالإضافة) إلى حاجة 373 ألف طفل فلسطيني إلى مساعدات نفسانية".

وربما أحد العوامل الذي يشجع الكيان الصهيوني على المضي في سياساته العدوانية هذه، تهاون المنظمات الدولية وفي المقدمة منها الأمم المتحدة، التي لا تتردد في إسقاط التهم عن ذلك الكيان. ففي مطلع العام 2015، "أبقت الأمم المتحدة إسرائيل خارج القائمة السوداء الخاصة بالدول والمنظمات التي تنتهك حقوق الأطفال خلال الصراعات". وهذا ما دفع ا السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة رون بروسور، إلى الترحيب بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الي "عدم الخضوع لإملاءات المنظمات الإرهابية والدول العربية، في قراره عدم إدراج إسرائيل في هذه القائمة المخزية، جنبا إلى جنب مع منظمات مثل الدولة الإسلامية والقاعدة وطالبان".

لكن ما هو أسوأ من موقف المنظمة الدولية، هي تلك اللامبالاة، التي تكتنفها مسحة من التخاذل العربي اللتين بات "ينعم" بهما الكيان الصهيوني، واللتين أصبحتا ظاهرة سلوكية راسخة تسيطران على ردود الفعل العربية في مواجهة تلك العربدة الصهيونية، واللتان لم تعودا تتجاوزان بعض الاحتجاجات الورقية الباهتة، على المستويين الرسمي الحكومي، والمدني المجتمعي.

لكن ما يبعث على الأمل أنَّه ورغم كل ذلك، تواصل شوارع فلسطين ترديد أصداء كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش التي يقول فيها "حذار، من طفل نبتت بين أصابعه النار"، وربما هؤلاء أكثر من تخشاهم إسرائيل، دون أن يعني ذلك تبرير تلك العربدة اليهودية.

تعليق عبر الفيس بوك