ألا فاسقني خمراً!

ليلى البلوشي

في فيلم "زمن الخيول السكرانة" وهو فيلم كردي فيه الكثير من الوجع ومرارة العيش، يرد حوار ضمن مشاهد الفيلم لرجل كردي يعمل في نقل البضائع المهربة إلى العراق، يأمر العمال ومالكي البغال بأن يسقوا البغال خمورًا؛ لأن الجو شديد البرودة، نسبة الكحول تقل كلما قلت البرودة، وفي نهاية الفيلم وجد العمال أنفسهم في كمين على الحدود العراقية، وكان لابد من الهرب غير أنّ الكحول التي تشربت في دماء البغال منعتها من الحركة وسط زمهرير الصقيع، فما كان من أصحابها سوى تحرير البضائع من على ظهورها ومحاولة إنعاش حركتها من خلال ضربها على وجوهها وركلها؛ ليذهب عنها خبال الكحول لتفرّ بجلودها!.

ما أكثر الشعراء الذين تغنوا للنبيذ!

بل لعّل بهاء المرأة المعشوقة لا ينضج في حيّز أخيلتهم إلا برشفة من قدح يزدان به. أحمر. أصفر كيفما كان امتزاج شهوة الألوان. وحين يحلو الحديث عن الخمر فإن "أبي النواس" هو أستاذ فن الخمر في الشعر العربي بامتياز سواء من حيث الكمية أو من حيث الكيفية، فقد عاش للخمر يتغنى بها كما يتغنى للمرأة المعشوقة كقوله:

فـالخمرُ ياقوتةٌ والكأس ُ لؤلؤة ٌ فـي كف ِّ جارية ٍ ممشوقة القدِّ

تسقيك من يدها خمراً ومن فمها خمرا ً فما لك من سُكرين من بُدِّ

وإذا كان الشعراء قديماً وحديثاً خصوا الخمر همسا خاصا وتغزلا أشبه بالمحبوبة المعشوقة، فإن ذلك لم يحرر الخمر من الناحية الشرعية من تهمة التحريم وهو أمر مفروغ منه، أما الطب فلا يشفع قط الأضرار التي تتفاقم من كثرة تناول الكحول ومنها: التهاب الكبد الوبائي، سرطان الجهاز الهضمي، حرقان فم المعدة، قرحة المعدة، سرطان المستقيم والذي يسببه تناول البيرة، أما إذا امتزجت لذة الكحول مع لفافة رشيقة فإن احتمالية الإصابة بسرطان الفم والمريء عالية.

هذه الأضرار التي طالما أعياها الشخص المتعاطي على مدار تلكم السنوات، فإن دراسات ومراكز البحوث الأمريكية تصدمهم بضرر جديد، فقد توصلت من خلال تجارب عدة إلى أنّ الأشخاص الذين يتعاطون الكحول ولو بكميات قليلة أو متوسطة لديهم أدمغة أقل حجمًا من الذين لا يتعاطونها مطلقًا.

ومن الطبيعي أن يتقلّص الدماغ بكمية صغيرة محددة مع تقدم العمر، بيد أن تقلص الدماغ بكميات أكبر في بعض مناطق الدماغ له علاقة بالجنون.

وحين أجرت الباحثة "كارول بول" دراسة علمية في جامعة بوسطن كانت تأمل من خلالها أن تكشف أن الخمور تلعب دورا إيجابيا في الوقاية من تقلص الدماغ المحدود المرتبط بتقدم عمر الإنسان، وجاءت نتيجة البحث مضمخة بخيبة ضاربة آمال "كارول بول" عرض الحائط وفي ذلك أقرّت: (الحقيقة هي أن أي قدر من استهلاك الكحول يؤدي إلى تدهور حجم الدماغ) ومن نتائج الدراسات التي أجريت على 1839 فردا متوسط أعمارهم حوالي 61 عاما رأت أنه كلما زادت كمية الخمور التي يستهلكها الإنسان كلما قلّ حجم الدماغ، وأن الذين لا يتعاطون الخمور مطلقا لديهم حجم دماغ أكبر.

فإذا كان كثير من الناس لا سيما المسلمون يتجنبون إغراء الكحول لكونها محرمة في شرعهم، فإن أضرارها على الصحة ستحفّز حتماً غير المسلمين على تجنبها في حياتهم، مع العلم بأن تلك الدول التي تبيح المسكرات تبيحها بطريقة قانونية، ومن يتجاوز خط القانون ينال عقوبته حتى لو كان ابن الرئيس؛ فالقانون في دول القوانين يطبق على الجميع بلا تمييز، كما حدث مع "جينا" ابنة الرئيس الأمريكي السابق -سيئ الذكر- "بوش" حين دخلت السجن أثناء توقيفها وهي سكرانة وتمت معاقبتها بتغريمها مبلغًا من المال مع ساعات للعمل في قطاع عام!.

Ghima333@ hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك