في الخاطر...

مدرين المكتومية

 

تزدحم الحياة بمختلف مفترقات الطرق.. نتعرف من خلالها على كثير من أصناف البشر؛ ومنهم العابرون الذين نلتقيهم عرضًا ولا يحتلون حيّزا من مساحة الذاكرة، فسرعان ما ننساهم لطبيعة الموقف والحدث السريع أو لعدم توغلهم عميقا في دواخلنا. وعلى الضفة الأخرى هناك المقيمون؛  وهؤلاء يشكلون حضورًا طاغيا في تفاصيل حياتك حتى لو غابوا عنك؛ وهؤلاء يستعصي على الذاكرة أن تسقطهم ولو سهوًا؛ ومهما أضطرتهم الظروف ومفترقات الحياة للسفر أو الغياب طوعا أو قسرا فأنت تعلم علم اليقين أنك عائد إليهم أو أنّهم مهما تأخروا فإنّهم يأتون.
من هؤلاء الأشخاص الذين بالفعل لهم وقعًا في حياة كل من يلتقيهم سعادة عبدالله الخاطر، سفير دولة قطر الشقيقة بسلطنة عمان، والذي حتّمت عليه ظروف العمل الدبلوماسي ومفترقات طرق الحياة أن يغادرنا إلى محطة أخرى بعد تسع سنوات قضاها في السلطنة.. تسع سنوات كانت عنوانا للتعارف والانسجام والتداخل مع المجتمع العماني والتماهي فيه حتى صار يمتلك معرفة وثقافة واسعة عن السلطنة وشعبها وطبيعة أهلها، ولن أبالغ في القول إن قلت أن سعادة السفير يكاد يعرف كل شبر في عمان؛ فقد كان يستثمر إجازاته في اكتشاف عمان وتنوعها الثقافي والاجتماعي وطبائع الحياة فيها. وعلى الرغم من لقاءتنا القليلة به والمتعلقة بمهنة الصحافة إلا أنني كثيرًا ما كنت أجد فيه شخصا واسع الفكر والأفق، وذا نظرة استشرافية للوضع في الخليج والدول العربية، بل يصادف أحيانًا أن نلتقي وتسير بنا دفة الحديث في شأن يهم دول التعاون؛ فتكون له رؤية مختلفة حول الموضوع، ونكتشف بعد سنة أو سنتين أن معطيات الواقع قد تطابقت تمامًا مع رؤيته التي طرحها سابقا لاسيما المتعلقة حول الهموم والقضايا السياسية الإقليمية التي يلم بما يجري خلف كواليسها وأسرارها الغامضة.
وكنت قد زرت دولة قطر في أكثر من مناسبة للمشاركة في العديد من المحافل والبعض منها شخصي؛ إلا أنّ المشاركة في منتدى الدوحة كانت بالنسبة لي تظاهرة ثقافية مختلفة وذات قيمة حقيقية لما يحويه المنتدى من شخصيات عالمية كبيرة على مختلف المستويات، فكانت فرصة حقيقية للتعرف على العديد من الجوانب والاستفادة من تجارب الدول المختلفه في قطاعاتها المتنوعة وأهم النجاحات وأسبابها، وكيفية الوقوف عند التحديات لتجاوزها. فقد كان منتدى الدوحة السنوي يمثل لقاءً مختلفا وفرصة حقيقية انعكس ما تمت مناقشته فيه على المشهد السياسي والاقتصادي الذي نعيشه اليوم.
من المحزن جدًا أننا نودع اليوم أحد هؤلاء الأشخاص الذين يدعمون الشباب بالتحفيز والتشجيع ومنحهم الفرصة ليكونوا ضمن الكوكبة الكبيرة والحشد المتفاعل في مختلف المحافل، وأقول لمن لم تسعفه الظروف والحظ في أن يرتشف فنجان قهوة مع سعادة السفير فإنه قد فوّت فعلا كما هائلا من القراءات والتحليل والفكر النيّر الذي يعيش به سعادة عبدالله الخاطر، فنحن لا يمكن أن نحكم على شخص من لقاء عابر أو لقاء رسمي فلكل مكان بروتوكوله الخاص؛ إلا أنّ الجانب الإنساني الحقيقي الذي يعيش به مثل هذا الرجل لا يمكن اكتشافه إلا بعد الجلوس معه والحديث حول اهتماماته الحياتية وتطلعاته المستقبلية ونظرته الاستشرافية لما سيؤول له الوضع الخليجي والعربي خلال السنوات المقبلة.. ومؤكد أن رحيله سيكون مؤثرا جدا لكن كما وعدنا دائمًا سيكون قريبا منا؛ فعمان بلده الثاني الذي لن يتوقف أبدا عن زيارته.  

تعليق عبر الفيس بوك