وظلم ذوي القربى...!

عبدالنبي العكري

قال الشاعر "وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً... على المرء من ضرب الحسام المهند". وبالفعل، فإذا ما يممنا شطر المغرب العربي أو مشرقه، فماذا نرى؟

معظم الشعوب العربية تعاني من ظلم أنظمتها، وأجهزة دولتها والمتنفذين فيها والأغنياء الطارئين. لكن الأنكى هو تحول مواطنين عرب إلى ظالمين لأبناء أوطانهم، بسبب اختلاف القومية أو الدين أو المذهب أو العرق أو القبيلة، ويشمل هؤلاء الظالمين مختلف الفئات من رجال دين (باعتبار أننا العرب ليس لدينا نساء دين) وصحافيين وإعلاميين وسياسيين وقادة مجتمع، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً.

لكن الظاهرة الأغرب هي اتهام الضحايا بعدة تهم ومنها أنهم مصابون بعقدة الاضطهاد، أو أنهم يطمحون إلى انتزاع السلطة أو حتى اغتصابها من أصحابها، أو أنهم -وهذه ثالثة الأثافي- عملاء لدول أجنبية تريد الشر بالوطن، وهذه الدول الأجنبية تتغير مع تغير مراحل الزمن، ففي وقت من الأوقات كان الاتحاد السوفييتي هو العدو، ثم أضحى النظام الناصري، ثم أضحى النظام البعثي، وأخيراً العدو الفارسي. وبعد تسوية الملف النووي الإيراني، قد يكون الأميركي المتآمر مع العدو الفارسي وشريكه، على رغم أن أمريكا حليفتنا.

وبالنسبة إلى دول عربية معينة، فإن العدو الذي يجند العملاء هو نظام لدولة عربية شقيقة أو جارة، وقد شهدنا في بعض دول المنطقة، مسرحيات بتوجيه تهم العمالة لمواطني دولة عربية من دولة عربية أخرى، على الرغم من أننا جميعاً ننتمى إلى المنطقة نفسها، فأهازيجنا واحد؛ سواءً كنا في مجلس التعاون الخليجي، ونردد "خليجنا واحد"، أو "بلاد العرب أوطاني".

وفي الصراعات بين الدول العربية التي وصلت إلى حد الحروب، كما في عهد حكم البعث للقطرين الشقيقين سوريا والعراق، فإن الاتهام بالانتماء إلى تنظيم حزب البعث للطرف الآخر، كان كفيلاً بالإعدام. وقد دخل شطرا اليمن في صراع استمر لثلاثة عقود، حتى قيام الوحدة المأمولة في يونيو 1990؛ حيث كانت تجرى اعتقالات ومحاكمات بل وتصفيات بتهم مثل عمالة اليمني الجنوبي للشمال، أو العكس عمالة اليمني الشمالي للجنوب!

وكلنا نعرف التوترات التي وصلت لصدام عسكري حدودي بين ليبيا ومصر في عهد السادات؛ حيث جرت عمليات اعتقالات متبادلة بالحجة ذاتها، أي العمالة. وما بين الجزائر والمغرب ما صنع الحداد حتى اليوم، وكلنا نتذكر الحوادث الإرهابية في المغرب ومنها تلك التي حدثت في مراكش؛ حيث اتهمت المغرب الجزائر بأن عملاءها وراء ذالك الحادث بتعاون عملاء مغاربة للجزائر، والعكس صحيح.

لكنَّ هذه الاتهامات لا تقتصر على العرب فيما بينهم، بل توسَّعت الدائرة إلى اتهام كثير من الخليجيين بتهمة العمالة لإيران لمجرد أنهم يشتركون مع الإيرانيين في الانتماء الديني أو المذهبي، أو لأنهم يختلفون مع سياسات بلدانهم، وتستفيد إيران طبعاً من ذلك بالترويج، وإطلاق التصريحات ضد هذا النظام أو ذاك، والتعاطف مع بعض الشعوب من دون أن يكون للمواطن الخليجي المستهدف يد في ذلك. وعلى رغم ذلك يدفع الثمن، ويُطالَب في كل مرةٍ بأن يثبت وطنيته، وهو في وضع الرعية وليس المواطنة. ومع تعاظم الدور التركي وتدخلاته في الحرب الجارية في سوريا والعراق ضد "داعش"، فمن المتوقع أن يتهم بعض العرب بالعمالة لتركيا أيضاً.

وفي الحالة اليمنية، يحتدم النقاش والاتهامات في كون تحالف الحوثي-صالح عملاء لإيران، والحراك الجنوبي أو اللجان الشعبية بالعمالة للخليجيين، وفي الواقع فإنَّ الحرب تشوّه كل شيء، وتدفع كل طرف إلى الاستعانة حتى بالشيطان. نستطيع أن نستطرد كثيراً في ضرب أمثلة على سياسة الأنظمة وقوى سياسية قومية دينية ومجموعات طائفية وعرقية وغيرها في شيطنة من يكرهونهم أو يختلفون معهم، ووصمهم بأقبح النعوت بما في ذلك العمالة، لكن ذلك يكفي.

المهم أنه آن الأوان للأنظمة العربية أن تتصالح مع شعوبها، فلم تعد هذه الشعوب تطرح مطالب ذات سقوف عالية، وهذه الشعوب لا تسعى أصلاً لقلب أنظمة الحكم والاستيلاء على السلطة، بل إنها تريد أن تعيش بكرامة وحرية وأمان، مع ترك الحكم للحاكمين.

كما أنَّه آن الأوان للتكتلات الدينية والقومية والطائفية...وغيرها، أن توقف حملات الكراهية والتخوين بحق من يختلفون معهم قومياً أو دينياً أو مذهبياً أو عرقياً أو غيره، من أبناء وطنهم، ويتقبلوا الاختلاف كأمر واقع وحميد "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" (المائدة:48) وأن يتعايشوا مع بعضهم كأبناء وطن واحد، وشعب واحد، وأمة واحدة.

آن الأوان لننهي هذا الاحتراب ما بين الأنظمة وشعوبها، وفيما بين هذه الشعوب، وفيما بين شعوب الأمة وفيما بين الأنظمة، حيث الشعوب هي الوقود والخاسر دائماً. كما آن الأوان لكي لا نحمل مشاكلنا وأخطاءنا الآخرين، بلصق تهمة العمالة لكل من يطالب بحقوقه المشروعة.

واللهِ إني لأخشى بعد هذا المقال أن اتهم بالعمالة، ولمن؟ لا أدري! فمن السهل على البعض أن يفبرك أية تهمة ضدك، وهناك من هو مستعدٌ لسماعهم.

تعليق عبر الفيس بوك