العطايا


عائشة البلوشية


هناك مثل عماني قديم يقول:"إذا عطاك السلطان مرق، وكف له خلق"، والمرقمعروف لغة، أمّا فعل الأمر "وكف" بكسر الواو مع تشديد الكاف وكسرها، فيعني ضع أمامه أو افرش له، و"الخلق" بفتح الخاء واللام هو القماش، ومعنى المثل بأنّك إذا كنت أمام السلطان وأعطاك المرق، ولم تجد الوعاء الذي تحمل فيه ذلك المرق، فافرش له ثوبك أو شيئًا من ثيابك واستقبل تلك الهبة، أمّا المغزى هو بأنك إذا واتتك الفرصة لتحظى بعطيّة من صاحب العطاء ولم يكن لديك ما تحمل فيه العطية؛فلا ترتبك أو تردها متعللا بأنه ﻻ يوجد لديك ما تحمله فيه، وكن ذا عقل حصيف، وتصرّف بما تجدهأمامك؛ ﻷنّه حتما وﻻبد بمرور الزمن سوف يبقى لديك من تلك العطية ولو النزر البسيط، حتى وإن كان ما يتبقى منها مجرد رائحة تلك الهبة، لتكون لك ذكرى؛ ﻷنّ الهدية من قيمة مهديها، وغالية ﻷنّها من عطاء الذي ترجو عطيّته...

إنّ هذا المثل رغم بساطة كلماته، وسهولة ألفاظه يعد درسًا من دروس التربيةوالتهذيب، يعلمنا التأدب مع الخالق والمخلوق، في كل أمر من أمور حياتنا، وأنّ ما يصلنا من أقدار هي من عظيم المنن والنعم من الله عز وجل، فمن أعطاه الله البنات ويظل يشتكي أنّه لم يرزق بالولد؛ أوليس من الأجدر به أن يتفكّر في حكمة الله من هذه الهبة، ويظل بين حال الحمد والشكر لله تعالى، فغيره ﻻ ذرية له، ولكنّه صابر وسعيد بعطاء الله، وهناك من وهبه الله الذكور والإناث ولكنّه ﻻ يرى منهم برًا أو إحسانًا، وهنا ﻻ أعمم ولكنني أسوق الأمثلة لأوصل لكم المعنى والمغزى لهذا المثل..
ويمكنه أن يحمل معنى آخر،مساويًا لبيت الشعر الشهير:"إذا هبت رياحك فاغتنمها/ فإن لكل خافقة سكون".

فلربما كانت تلك العطيّةالبسيطة تحمل في طيّاتها الخير الكثير، ورفضنا لها وإذعاننا لواقع زرعنا بذوره السلبيّة في دواخلنا بأنفسنا، وانكسارنا بأننا ﻻ نملك القدرة على استغلال مهاراتنا وعقولنا التي وهبنا الخالق إيّاها يفوت علينا فرص النجاح والرقي، ويجعلنا رهينة لسلبية لماذا أعطاني "المرق" وهو يعلم بأنني ﻻ أملك الوعاء!..
نحن بشر جُبلنا على حب العطايا والهدايا، وكما يقول المثل الآخر "أنا غني وأحبالهديّة"، فكيف بالهدية والعطية لو كانت من السلطان؟ سيكون لها مذاق من نوع خاص جدا، وكيف لو كان ذلك السلطان متربعا في عروش قلوب شعبه؟ بالطبع ستكون الهدية ذات قيمة ﻻ تقدر بثمن، إذًا كيف بالهدية لو كانت هي جل ما يرجوه شعب ذلك السلطان؟ بالطبع ستكون مبللة لقلوب يبست شوقا لتلك العطيّة، وهذا ما حصل في تلك الطلة البهية للمقام السامي لموﻻي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه -وأسعده في الدارين ولشعبه أبقاه، والتي كانت أغلى من كل هديّة وعيدية؛ تلك الطلة التي أشرقت بها "عمان عبر الزمان"، من خلال وضع حجر الأساس لمتحف سيبقى يخلد ذكرى عمان لكل الأجيال، ليربط عبق الماضي بعبير الحاضر ورونق المستقبل،وكأنه يوجّه لنا رسالة مستديمة تقول لنا، عَمِل أجدادكم من أجل أرضكم، وعليكم بالاستمرار في العمل الجاد في كافة مجاﻻت الحياة، فهذا ليس متحفًا تتجولون بين أروقته التي تمزج بين التكنولوجيا الرقمية،والمنجزات التأريخية وحسب، بل هو حجر أساس لبدايات عمل؛ كل عمل صادق تنوون عمله من أجل هذا الوطن، لذلك يجب عليكم شيبًا وشبانًا أن تفترشوا عقولكم وقلوبكم لتستقبلوا الرؤية المستقبليّة لحجر أساس هذا المتحف، والتي جاءت في يوليو المجيد بعد خمسة وأربعين عاما من سني العطاء والبناء، لتقول بأنّ البناء والتعمير والتقدم متجدد بتجدد الحب الخالد لتراب أرضكم، فشمِّروا عن سواعد الرغبة في اكتساب العلوم وتطوير العمل، لتبقى عمان درة الأزمان..
توقيع: "بنور وجهك إنّي عائذ وجِلٌ.. ومن يلذ بك ﻻ يشقى إلى الأبد".


تعليق عبر الفيس بوك