إلى متى يتأخر دفع مستحقات شركات المقاولات؟!

عبدالقادر عسقلان

يُبْدِي كثيرٌ من المقاولين وأصحاب الشركات تذمُّرَهم من تأخير تسلم الدفعات المستحقة لهم عن الأعمال التي يقومون بانجازها؛ سواءً كانت أعمالا حكومية أو خاصة. والذي يظهر أنَّ المسؤولين عن إعداد وإنجاز هذه الدفعات لا يُقدِّرون مَدَى خطورة الوضع الذي يتعرَّض له المقاولون والشركات من جرَّاء هذا التأخير، وكذلك مَدَى تأثيره على سلامة عمل المؤسسات المالية كالبنوك والسوق المالي، وكذلك تأثيره على سلامة الوضع الاستثماري في البلاد -سواء على مَن كان مستثمرًا، أو ينوي الاستثمار- فالذي استثمر يعاني، ومن ينوي الاستثمار خائف.

ونحنُ في كلِّ مناسبة، وفي كل الندوات والمؤتمرات، ننادي بتشجيع الاستثمار وتوفير السبل لسلامته، لكنَّ الممارسات -مثل: عدم السرعة في إنجاز مستحقات هذه الشركات والمقاولين- وهؤلاء الذين يُمارسون عدم دفع المستحقات في موعدها، لا يُدركون مَدَى الخطورة التي تقعُ على أصحاب هذه المستحقات من جرَّاء هذا التأخير، ليس فقط عليهم ولكن على المؤسسات المالية والبنوك التي يتعاملون معها؛ فعندما يتأخَّر توريد الدفعات المستحقة للشركات والمقاولين لحساباتهم في البنوك لمدد تتراوح بين 6 أشهر إلى ما يزيد على سنتين، فإنَّ حركة حسابات هذه الشركات لدى البنوك ستتأثر؛ وبالتالي يُصبح الحساب شبه مُجمَّد. وعندما تسوء وضعية هذه الحسابات، وتصبح عديمة الحركة -من جرَّاء عدم توريد الدفعات- يأتي البنك المركزي -من خلال أجهزة التدقيق، ووفقا لأنظمة التدقيق- يقوم بتصنيف الحساب حسب درجة ضعفه، ويطلب من البنوك توفير احتياطات نقدية لمثل هذه الحسابات تتراوح بين 10% و100%. إضافة إلى عدم السماح باستعمال التسهيلات المقررة لهذه الشركات؛ الأمر الذي سيؤدِّي إلى إضعاف أداء هذ الشركات، وتراجع أرباحها؛ وبالتالي ضعف ميزانياتها. وهنا؛ يأتي دور هيئة سوق المال في التحقيق مع هذه الشركات ومطالبتها بالإفصاح عن أوضاعها المالية بالتفصيل. وعند الإعلان عن النتائج وتراجع الأرباح وضعف الأداء وتراكم الديون وازديادها بالفوائد، سيحدث انخفاض في سعر أسهم هذه الشركات في السوق؛ مما يؤدي إلى الخسائر التي يتعرض لها المساهمون.

وإضافة إلى ذلك، فهناك خسائر ستتعرَّض لها البنوك من جراء تصنيف هذه الحسابات؛ إذ سيتم خصم الاحتياطيات التي ستأخذها من أرباحها؛ مما سيُؤثر على مستوى أرباحها السنوية إذا ما استمرَّت هذه الحسابات في قائمة التصنيف.

ولذلك؛ فإنَّ دور البنك المركزي لا يقتصر فقط على تصنيف هذه الديون وفقا للأنظمة، وإنما دوره أيضا أن يُساعد البنوك من موقعه في تحصيل الدفعات الحكومية المستحقة لهذه الشركات لتحسين أوضاعها مع المصارف؛ فهو بذلك لا يُساعد فقط الشركات وإنما أيضا يساعد البنوك على تخفيف الديون المتعثرة لديها؛ وبالتالي الحفاظ على أرباحها وحمايتها من التراجع نتيجة للاحتياطيات التي يتوجب الاحتفاظ بها؛ فقوة القطاع المصرفي هي من أهم مهام البنك المركزي.

وكذلك يأتي دور إدارة الهيئة العامة لسوق المال؛ فهي إذا قامت بالمساعدة من موقعها في تحصيل المستحقات الحكومية لهذه الشركات، فهي لا تساعد الشركات فحسب بل تحافظ على مستوى أرباح هذه الشركات وقوة أدائها وحمايتها من انخفاض أسهمها، وكذلك المحافظة على أداء السوق وحماية المساهمين، وهذا أيضا من مهام إدارة سوق المال.

كذلك فإنَّ تأخير الدفعات المستحقة للمقاولين له تأثير سلبي على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي يُمكن أنْ تكون قد حصلت على أعمال من الباطن من المقاولين؛ فتأخير الدفعات على المقاول الرئيسي سيُؤدِّي إلى عدم قيام المقاول بدفع مستحقات هذه الشركات. ومع حقيقة أنَّ إمكانيات الشركات الصغيرة والمتوسطة محدودة بطبيعتها، فإنَّها لا تساعدها على احتمال تأخير الدفعات المستحقة لها؛ وبالتالي فإنَّ بقاء هذه المؤسسات يصبح مهددا، وقد لا تقوى على الاستمرار رغم كل التوجيهات الرسمية بدعمها.

ومن هنا، نرى مَدَى خطورة التأخير في إجراءات دفع المستحقات للشركات والمقاولين، ولنعمل وفقا لمفهوم الحديث الشريف، ونعطي "المقاول" حقه قبل أن يجف عرقه.

تعليق عبر الفيس بوك