اللهم لا شماتة

جمال القيسي

خلط تنظيم داعش كل الأوراق في المنطقة، وفي أنحاء كثيرة من العالم؛ وصارت الشعور السلبي "الشماتة" يسيطر على وجدان مئات الملايين من البشر؛ بشر يفرحون لمجازر تقع لبشر؛ أبسط الأمثلة، لا أعقدها؛ أن مناهضي النظام السوري، يفرحون بخساراته حتى أمام قصف داعش، وهو بالمناسبة، ما كان ليتمدد ويمد رجليه لولا التواطؤ والدعم والتغاضي والتسهيل وغض النظر والمد والجزر في العلاقة معه. في السياق نفسه، فإنّ العمليات الإرهابية الأخيرة في تركيا لم يكن ليقابلها سوى شماتة الملايين بانقلاب السحر على الساحر. وفي الحالة التركية، على وجه الخصوص، تأكّدتْ إلى حد كبير، مقولة رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو بأن "الريح لا تحصد إلا العاصفة". لكنها عاصفة تنطبق، هذه المرة، على أنقرة أكثر من سواها، بحسب رأي هذه الملايين.

قصة داعش مع النظام السوري والسحر والساحر فيها صارت قديمة . فإذا قمنا بالتركيز على الحالة التركية، لا نقول يقفز إلى الأذهان، لأنه لم يغب عن الأذهان الموقف التركي الفاقع برفض المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش؛ ولم يكن تبرير الحكومة التركية آنذاك لموقفها يخرج عن عدم رغبتها في خوض حروب غيرها! وكأن تركيا تقع في أستراليا ولا حدود بأميال تربطها بعين العاصفة، ولقد تأكد طوال السنوات الأربع الماضية أن الحدود السياسية لتركيا موجودة على الخريطة الصماء فقط.

لقد مارست غالبية دول العالم أدوارا مختلفة في الكوارث التي صارت كونية في سوريا والعراق، على وجه الخصوص، وبمقدار ما تبث طهران وموسكو الروح في نظام الأسد؛ فإن أنقرة كانت شريانا وريديا للجماعات الوحشية؛ حيث عبر من خلال حدودها عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب الذين لا تعترف تركيا بمرور واحد منهم، مؤكدة، بمناسبة ودونها، أنها تحكم قبضتها على الحدود، ولم تسمح ولن تسمح بالتراخي أو التساهل في قضية مرور الإرهابيين للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة.

وعود على ما بدأنا؛ فإن خلط الأوراق، وفي باب أنواع الشماتة بين أطراف وأخرى، ظهر نوع خطير من الشماتة، وبحكم هذا الخلط؛ صار هناك إحساس بعدو قديم وعدو جديد فصار ملايين من المسلمين يتمنون أن تقصف "إسرائيل" اليوم قبل غد الجمهورية الإسلامية، ولدى هؤلاء حججهم من خلال إحصاءات سريعة يشيرون فيها إلى أن الكيان الصهيوني منذ أنشئ في العام 1948 لم يقتل من العرب والمسلمين مقدار ما قتلت إيران من أبناء الأمة العربية الإسلامية وبأيد عربية قومية وخلال سنوات مر كل يوم منها ذلا وعارا.

وبموضوعية بسيطة في "ملف الشماتة"! فإنّ من نافلة القول الإشارة إلى أن دولة الكيان الصهيوني هي الجهة الوحيدة في العالم التي يحق لها أن تشمت بنا جميعا، وهي شماتة مبررة نستحقها بجدارة؛ فلقد كفينا العدو التاريخي والجغرافي مؤونة الحروب الباهظة، وتنديد العالم. كفيناه الكثير و"رب ساعٍ لقاعد"! ودعك يا رعاك الله من القول الساذج من مثل إن إسرائيل هي أساس مصائبنا. أو مثل الطرح الممل بأن "تل أبيب" هي من أخرجت مسرحية الاتفاق النووي. لأن الاتفاق النووي ليس مسرحية. وحسبنا خيبة أننا لا نعرف تفاصيله إلا من فتات التصريحات وابتسامات الموقعين أدناه.

صرنا طوائف. طوائف بجدارة. وبتنا حرابا مسمومة موجهة إلى صدورنا بعناية وتركيز وبعد نظر لم نرثه عن غير جدتنا زرقاء اليمامة! خرجت كل شرورنا دفعة واحدة، وخلط الإرهاب كل الأوراق. وانخرطنا بكل ارتهان لدوامة صراع الفناء، لا البقاء، في مثلث سني ومربع شيعي ومحور اعتدال ورباعية وتحالف عربي وآخر دولي. عن أي سايكس وبيكو وتقسيمات تتحدث يا رعاك الله!

بالقلم والمسطرة قسمت بريطانيا دول العالم العربي. لعل القلم والمسطرة أقل إيلاما وأسلم من السيف والمقصلة، أقل إهانة من القتل باسم الله، ووحدة البلاد والوقوف في وجه المؤامرة الكونية بالرعاية الإسرائيلية الأمريكية. وحدة البلاد أولى من الشعب. فلتحيا البلاد ويموت العباد!

تعليق عبر الفيس بوك