الغرب مذهول من أبنائه التكفيريين


عبدالنبي العكري

الغربُ مذهول من أبنائه التكفيريين.. ويزداد ذُهوله أن معظم هؤلاء كانوا أسوياء السلوك ومندمجين في مجتمعاتهم، ومعظمهم من الشباب على أعتاب مستقبل جيد ويعيشون حياة الرغد.

معظم هؤلاء وُلدوا في البلدان الغربية من أسر إسلامية تنحدرُ من بلدان عربية وإسلامية، لكن بعضهم من أبناء أسر أوروبية أصلاً. والقليل منهم من المهاجرين أو من تم استيعابهم كلاجئين سياسيين أو إنسانيين، وجرى توفير حياة لائقة لهم بعد معاناة شديدة في بلدانهم الأصلية وهروبهم منها بسبب الحروب أو الفقر أو الاضطهاد السياسي. حالياً يوجد الآلاف من هؤلاء الشباب والشابات ممن تركوا بلدان الغرب والحياة الهانئة ليلتحقوا بجبهات القتال في سوريا والعراق، ومعظمهم مع "داعش"، في حين التحق البعض بالنصرة وأخواتها. الرجال منهم يلتحقون كمقاتلين، أما النساء فيقمن بمهام أخرى وفي مقدمتها جهاد النكاح، أو عمل شبكات لتجنيد أصدقائهن وأقاربهن للالتحاق بهم، وترتيب استقبالهم في تركيا أو سوريا والعراق.

التكفيريون الأجانب هم الأشرس، وقد تمَّ التعرُّف على بعضهم وهم ينفذون عمليات النحر بحق الضحايا بمن فيهم مواطنوهم، وكذلك القيام بعمليات انتحارية وبالطبع عمليات الإعدام. والغرب خائفٌ عما سيترتب على عودة هؤلاء إلى بلدانهم؛ وبالفعل فالبلدان الغربية -مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا- تحثهم على العودة لبلدانهم لأنها دول مسؤولة عن مواطنيها حتى لو انحرفوا، ولكن السؤال المحيِّر: ما الذي سيعملونه بعد عودتهم؟ لقد ثبت أن بعضَ من قاموا بعمليات إرهابية كالاعتداء على صحيفة "شارل إيبدو" في باريس، أو مصنع الكيماويات في ليون بفرنسا، سبق لهم أن تطوّعوا في القتال مع التكفيريين خارج بلدانهم.

صحيفة "ذا " البريطانية نشرتْ في عددها 5 يوليو 2015، وعلى غلافها بعنوان "اضحك بصوت مرتفع"، قصة الطالبة أميرة عباسي (16 عاماً، من أصول آسيوية) حيث تمكن المحرّر أ. طاهر، من أن يتبادل معها تغريدات كشفت فيها عن مسار خروجها خلسة من بريطانيا دون علم أهلها أو أصدقائها، وسفرها إلى إسطنبول، حتى دخولها سوريا والتحاقها بـ"داعش".

وقد صادف ذلك بعد مجزرة فندق أمبريال في سوسة بتونس، حيث قتل عشرات الإنجليز، وكان رد فعلها عندما ذكر لها ذلك فرحة عارمة. وقد استدرجها المحرر بإبداء رغبته في الالتحاق بصفوف "داعش"، فما كان منها إلا أن دلَّته على طريقة سهلة "ذهب إلى وكيل سفريات آسيوي في "بريك لين"، وهم يرتبون لك السفر لأنهم يهتمون بالنقود أولاً ولن يسألوك لماذا"!

وقد غادرت أميرة عباسي عندما كان عمرها 15 عاماً، وصديقتاها شميمة بيجوم (16 عاماً)، وخديجة سلطانة (15 عاماً)، مدرستهن (Bethnal Green Academy) خلسة إلى إسطنبول، وعبرن حدود تركيا إلى الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" في الرقة. وتقول أميرة إنهن فعلن ذلك تأثراً بما ينشر في وسائط التواصل الاجتماعي. ولأميرة عباسي حساب توتير (@binttabas) أي ابنة عباس، كما تطلق على نفسها لقب أم عثمان البريطانية، وقد أقفل "تويتر" حسابها، لكنها ظهرت باسم جديد وهو أم الزبير البريطانية، وقد استدرجها المحرِّر عبر المسنجر (Kik Messenger) بتظاهره بأنه يريد الهجرة إلى أرض الإسلام؛ حيث ذكرت له أنها هاجرت من بريطانيا إلى سوريا وعمرها 15 عاماً فقط.

كذلك استطاع المحرِّر أن يتواصل مع فتاة أخرى تدعى أم مسيلمة، وتعيش في ستراتفورد شرقي لندن؛ حيث عبّرت عن رغبتها بالعيش في أراضي الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا، وقد اتصلت بأميرة عباسي طالِبةً تزكيتها، والتي نصحتها بالتحرك فوراً للجهاد. وتنصح أميرة عباسي من يرغبون بذلك بعدم حجز التذاكر أونلاين؛ لأنَّ ذلك يتطلب استخدام بطاقات ائتمان وتفاصيل الجواز مما سيكشف هويتها. وأغرت أميرة عباسي مرشحة الجهاد هذه بتجميل حياتها كزوجة لجهادي حيث يتوجب عليها أولاً أن تلتحق ببيت للنساء؛ حيث لا توجد هواتف ذكية أو إنترنت؛ لذا "فالأفضل أن تعرفي اسم من ترغبين في تزوّجه من المجاهدين؛ لأنك ستنعزلين لاحقاً".

وتنصحُ أميرة الجهادية القادمة بشراء أكبر كمية من حمَّالات الصدر ومالٍ في صورة نقد، لأنه لا بنوك ولا صرافة. وقد كشفت أميرة أنها وجدت عريس المستقبل، وهو مقاتل أسترالي من أصل لبناني، لكنه متزوّج، ولكنها قالت إنها لا تمانع أن تكون الزوجة الثانية. ورغم كل شيء فهي تحمد الله دائماً بما في ذلك افتقادها عائلتها وحياتها في شرق لندن. أما والدها حسين عباسي فأقر أنه أخذها مرةً إلى مهرجان للمتطرفين الإسلاميين (المهاجرون)، لكنه يلوم الشرطة لفشلها في منع ابنته من الالتحاق بـ"داعش". وقد تأثرت الابنة بالشيخ عبدالله عزام وزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.

... الغريب أنَّ أميرة عباسي طالبة متفوقة في أسرة مستقرة، ولم يبدُ على سلوكها أو أقوالها التطرف، قبل أن تختفي فجأةً لتظهر في أرض "داعش" بالرقة. وهذه هي حالة العديد من حالات الاختفاء المفاجئ لشباب وشابات غربيين تركوا كل شيء خلفهم، ليلتحقوا بـ"داعش"، ويمارسوا أبشع الجرائم عن قناعة راسخة، وهو ما يثير حيرة الغربيين.

تعليق عبر الفيس بوك