تعلَّمنا من قابوس...!

سَيْف المعمري

تمرُّ السلطنة هذه الأيام بالذكرى الخامسة والأربعين لميلاد النهضة المباركة، التي انبلج فيها فجر الثالث والعشرين من يوليو المجيد، وانطلقت فيه مسيرة الخير والبناء بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه ومتعه بالعمر المديد والصحة والسعادة والهناء- الذي جاءت إطلالته الأولى بكلمة وجهها لشعبه الوفي قائلا: "أيها الشعب... سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سعَدَاءِ لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم، المساعدة في هذا الواجب، كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وَإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي". وقد حدَّد جلالته المرتكزات الأساسية والمنهج العملي التي ستقوم عليها الدولة العصرية، مُلخِّصا تلك المرتكزات في جوانب واضحة؛ وهي: العمل، ومسابقة الزمن، وتحقيق سبل العيش الكريم، والمستقبل المشرق لأبناء عُمان، واستعادة أمجاد عُمان الخالدة، والعمل بالاتحاد والتعاون، لتأخذ عُمان دورها المؤثر في العالم العربي.

وبدأ جلالته -أعزَّه الله- مسيرته الظافرة، وجعل من بناء الإنسان العُماني مُحرِّكا أساسيا لعجلة التنمية الشاملة، وافتتحت المدارس، وشملت مظلة التعليم جميع ربوع الوطن في الشمال والجنوب، وفي الشرق والغرب، وفي السهل والجبل، وفي كل مكان حيث يوجد الإنسان على أرض عُمان الطيبة، وقد كانت العزيمة والعمل والإردة السامية لجلالته أقوى مع كل التحديات والظروف التي تعيشها البلاد، والتي أوجزها جلالته في كلماته -القليلة بعددها، البليغة بمعانيها ومضامينها السامية- قائلا: "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر".

ومضتْ مسيرة النهضة الشاملة كما أراد لها جلالته -حفظه الله ورعاه- وعمت التنمية بجميع مجالاتها بجميع ربوع الوطن، وارتوت الأرض العُمانية من مكارم جلالته الوفيرة، واستظل العُمانيون بالطمأنينة والسكينة والعيش الكريم، ومضتْ أربعة عقود ونصف، وأصبحت عُمان -بفضل الله وحكمة جلالته ورؤيته الثاقبة- واحة أمن واستقرار واستعادة مكانتها المرموقة في العالم أجمع، وساهمت في ترسيخ ثقافة الحوار والسلام، وحدَّد جلالته ملامح السياسة الخارجية لعُمان؛ وهي: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وعدم السماح للغير بالتدخل في شؤوننا، والاحترام المتبادل والتعاون وتبادل المصالح المشتركة بين الدول والمساهمة في حل القضايا الدولية العالقة بالطرق الدبلوماسية تضمن العدالة لجميع الأطرف، وساهم جلالته في حل العديد من القضايا الدولية والتي كان آخرها نجاح الدبلوماسية العُمانية في تقريب وجهات النظر بين إيران ومجموعة (5+1) حول الملف النووي الإيراني والتي تكللت -ولله الحمد- بالاتفاق التاريخي، ولقد حظيت مواقف الدبلوماسية العُمانية باحترام المجتمع الدولي.

لقد تعلمنا من قابوس أن النجاح يبدأ من تحديد الأهداف الواضحة، وأنه لا يمكن أن تتحقق إلا بالعمل، وأن الإخلاص في العمل يأتي أُكله ولو بعد حين، وتعلمنا من قابوس أن البناء عملية لابد أن ترتكز على أساس، وإن أساسها العلم والمعرفة؛ وبالتالي كانت رؤية جلالته منذ اليوم الأول بنشر مظلة التعليم لجميع أبناء الوطن، وتعلمنا من قابوس ليكتمل البناء لابد أن يتدرج في جميع مراحله، وأنَّ تلك المراحل تحتاج إلى زمن، وتعلمنا من قابوس أنَّ الأوطان تبنى بسواعد أبنائها وأسداء الشكر لمن ساعد على بناء عُمان، وتعلمنا من قابوس أنَّ الاحترام المتبادل وتبادل المصالح والمنافع المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير وأحترام المعتقدات والأديان والحوار البناء يسهم في أرساء ثقافة الأمن والسلام لجميع شعوب الأرض.

وتعلمنا من قابوس أنَّ الأستقرار والأمان والعدالة أسس البناء الراسخة وسبيل التقدم والنهضة الشاملة ومنطلق التنمية والتطور، وتعلمنا من قابوس أنَّ الوطن الحضن الدافئ لكل إنسان يبحث عن الطمأنينة والسكينة، وأنَّ بناء الوطن مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن، وأنَّ المواطن يجب أن يتحمل مسؤوليته، وأنْ يضع بحسب طاقته وإمكانياته لبنات جديدة تعزز مسيرة البناء، وأن أتقان البناء والإخلاص فيه ستزيد من قوة البناء وتماسكه.

ولقد كانت الإطلالة السامية المباركة في الرابع عشر من يوليو الجاري أثناء تفضل جلالته -أعزه الله- لوضع حجر الأساس لمتحف عُمان عبر الزمان بولاية منح بمحافظة الداخلية، تستنهض هممَ العُمانيين، وتؤكد لهم أن جلالته يدعوهم جميعا إلى أن البناء لا يزال مستمرا، وأنَّ لبناته توضع بإتقان، وأن العُمانيين ما زال لديهم الأفضل، وإن عُمان تستحق منا المزيد.

وفي الختام، نسأل الله أن يُديم على عُمان نعمة الأمن والأمان، وأن يديم على والدنا ومعلمنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الصحة والعافية والسعادة والهناء، وأن يعيد على جلالته ذكرى الثالث والعشرين من يوليو والمناسبات السعيدة أعواما عديدة وأزمنة مديدة، وكل عام وجلالته بخير، وبوركت أيام عُمان المباركة...!

Saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك