المسطحات الخضراء

سالم الكثيري

نعتذر للقراء الكرام لتكرار طرحنا لهذا الموضوع مع بداية كل موسم خريف ونتودد إليهم أن يتفهموا أن تناولنا له مرة بعد مرة ليس لشيء إلا لحثنا المجتمع والجهات المختصة للمحافظة على جمال، وروح هذه الأرض الطيبة. وحديثنا هذا لا نقصد به انتقاص جهد جهة بعينها أو أشخاصا بذواتهم ونحن إنما نتحاور مع هذه الجهات ومسؤوليها بشخصياتهم الآعتبارية كمكلفين بالواجب يأتي منهم الصواب والخطأ. على قاعدة من لم يعمل لم يخطئ. كما أنّ إشارتنا إلى الأخطاء التي يرتكبها البعض في حق البيئة ليس تعميما فالخطأ قد يحصل لعدم الوعي أو لعدم التنويه القانوني كما أنه قد يرتكب على شكل تجاوز صريح رغم المعرفة بما سبق.

إنه لمن نافلة القول أن نشير إلى ما تتعرض له مختلف المواقع السياحية في السهول والجبال من عبث وتخريب . حيث تبرز ظاهرة العبث بالمسطحات الخضراء من قبل بعض سائقي المركبات بقصد أو بغير قصد بوضوح. وعلى الرغم مما تقوم به البلدية والبيئة والشرطة من جهود للحد من هذه التجاوزات إلا أنها لم تصل إلى درجة النجاح الذي نتمناه..

وبالتوازي مع عمل الجهات الحكومية فإن الجهود المجتمعية باتت مصاحبة لموسم السياحة كلما حل الخريف. وقد صارت أكثر تنظيما خلال العام الماضي حيث تشكلت فرق من المواطنين في مختلف النيابات لتوعية السواح بأهمية المحافظة على الغطاء النباتي والمسطحات الخضراء التي أتوا ليستمتعوا بمناظرها من على بعد آلاف الأميال. ومساعدتهم في حال تعرضهم لأي أمر طارئ وقد حققت هذه الفرق التطوعية ولله الحمد نجاحا قياسيا ساهم في إنجاح الموسم السياحي إلى حد كبير وتمّ تكريمها في ملتقى السياحة والبيئة الذي نظمته شخصيات مدنية تحت رعاية معالي وزير السياحة.

لقد طرق الخريف الأبواب وعلى الرغم من التوصيات التي تقدمت بها هذه الفرق التطوعية وغيرها من الجهات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا أن الجهات المعنية بهذا الأمر بشكل مباشر لم تحرك ساكنا منذ إنتهاء الموسم، فمشروع حماية المسطحات الخضراء الذي تشرف عليه بلدية ظفار والذي يعد مشروعا رائدا ستكون له نتائجه المثمرة إذا نفذ وفقا لما هو مخطط له لم يستكمل منذ ثلاثة أعوام رغم سهولة تنفيذه مقارنة بالكثير من المشاريع المعقده بل إن المنفذ منه لم يحظى بأي مراقبة أو متابعة فترك عرضة للمتجاوزين والمخالفين من أفراد وشركات. كما أنّ بلديتنا لم تقم حتى بتركيب اللوحات التوعوية والتحذيرية والتي وعدت بها منذ نهاية الموسم الماضي وليست وزارة البيئة بأفضل حال من قرينتها حيث لم نر شيئا من تلك اللوائح التي وزعت في المواقع ذات الكثافة السياحية تلبية لمطالبات المواطنين وتحركاتهم الإيجابية في العام الفائت لحماية البيئة وتوجيه السياح الكرام، أمّا وزارة الزراعة فلازالت تغط في سباتها العميق وكأن هذا التنوع النباتي الهائل من الأشجار والأعشاب لا يمثل لها شيئا ولا يعد من أولوياتها، فيما تفتأ السياحة تركز قوة مواردها البشرية والمالية في الترويج للخريف وليكن بعد ذلك ما يكون من ازدحام وعدم تنظيم وتضرر للبيئة.

وكي لا ننكر الجهود نؤكد أنّ البلدية والبيئة والسياحة تجاوبت مع المتطوعين في الموسم السياحي الماضي. ولكن السؤال ما هي البرامج والخطط التي اعتمدتها للتعامل مع هذه القضية على المدى الطويل وما الذي أعدته هذه المؤسسات وغيرها لموسمنا الحالي. أستطيع القول أنّ الجواب محلك سر وليس هناك ما يشير من قريب أو بعيد إلى دور حقيقي وجاد لحماية المسطحات الخضراء على أرض الواقع .فالخريف قد إنتصف ونجم سهيل لم يستأذن الوزارات ذات الشأن في الدخول.

نتمنى من بلدية ظفار والمديريات العامة المذكورة أعلاه أن تتجاوز الخلاف على الصيغة النهائية للعبارة التي ستكتب على اللوحات التوعوية المنتظرة وهي حجة يتراشق بها البعض وأن تتعامل بشكل طارئ مع حاجة الموسم وتقوم بتركيب هذه اللوحات بدلا من بقائها في الورش ومحلات الخطاطين ريثما يتم التوصل إلى الصيغة التوافقية في وقت أكثر هدوءا من "دوشة الخريف" ولا ندري إن كنا سنحتاج للسفر إلى جنيف مثلما حصل بين إيران والدول الكبرى في الإتفاق النووي الأخير أم أن صلالة ستمثل سويسرا الشرق.

لم يعد لدينا وقت وليس لأي جهة عذر ولو كان قويا، ناهيك عن الأعذار الواهية في التفريط بالبيئة والتخلي عن دورها لترسيخ ثقافة الإستهتار بالبيئة يوما بعد يوم فعلى الجهات المعنية نشر لوحاتها الإرشادية والتوعوية والتحذيرية في كافة المواقع السياحية وعدم الاكتفاء بالعدد القليل الموزع منذ الأعوام الماضية وعلى البلدية أن تخالف المتجاوزين لنظام التخييم في السهل من حيث المساحة أو تستخدام المواد الأسمنتية والتي تقضي على نمو الأعشاب تماما و على وزارة السياحة ألا تغفل أنّ نجاح الموسم السياحي مقترن بالمحافظة على مقوماته وكلنا يعلم أنّ المقوم الرئيسي هنا هي البيئة والحالة الاسثنائية لتساقط الأمطار والرذاذ وسط لهيب الجزيرة العربية وصحاريها الحارقة. خلاصة القول أنّه لابد وأن يكون هناك تنسيق حقيقي بين مختلف الجهات المعنية بالسياحة والبيئة في سبيل خلق موسم سياحي هانئ وجميل بعيدا عن التجاوزات القانونية والفهم الخاطئ للسياحة..

إنّ تعاون المواطنين وجهدهم التطوعي يعد فرصة ثمينة لا يجب التفريط فيها لذا فإنّ استمرارية عمل الفرق التطوعية من الأهمية بمكان كما ولا بد وأن تجد هذه الفرق الحاضنة الحكومية التي تتبناها وترشدها ليكون عملها أكثر تنظيما وفعالية بما يحقق الفائدة لكافة أطراف المعادلة السياحية المتمثلة في السائح والمواطن والبيئة.

كلمة أخيرة.. شكر خاص لرجال شرطة عمان السلطانية فجهدهم في موسم السياحة يعادل جهد كل الجهات مجتمعة.

تعليق عبر الفيس بوك