الكبار بأفعالهم... والكبار بأموالهم

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

بُنيت العلاقات بين أطياف البشر عبر التاريخ الإنساني على التكامل في كل شيء، وليس على الصراع، وإن كان سعي الإنسان في حقيقته للتكامل هو صراع من نوع ناعم ومشروع، وتنافس حميد لايُخل بسنن التدافع بين الناس وسيرورة الحياة.

فمن وهبه الله المال بحاجة إلى من وهبه الله العقل والتدبر في تسيير ذلك المال والتدبر في تنميته وحسن إنفاقه، ومن وهبه الله العلم بحاجة إلى إنفاق هذا العلم في طلابه والساعين له، ومن وهبه الله الفعل الحسن وحسن الخُلق بحاجة إلى من يذكرهم بمكارم الأخلاق والقيم الحسنة والصيت والذكر الحسن.

وجميع تلك الصفات والطباع، منها موهوب لازب في الفرد، ومنها مكتسب بالسعي والجهد، ومن سنن الله في خلقه أن جعل تلك الصفات والطباع بالنسبة والتناسب بين البشر، وقلما إجتمعت صفتان أو أكثر في شخص واحد إلا من إختصهم الله بالنبوءة الربانية أو البشرية ليصبحوا إضاءآت لأقوامهم ومجتمعاتهم لتطويرهم والإرتقاء بهم، ولله في خلقه شؤون.

وفي عالم اليوم نجد الكثير من هذه النماذج بيننا،وينسحب الأمر كذلك على البلدان والشعوب بصور أكبر وأشمل. حيث نجد أقطار كبيرة بأفعالها رغم تواضع مواردها المالية، وأقطار كبيرة بمالها رغم تواضع صيتها وصدى أفعالها.

المراد من هذا الاستهلال هو الغوص في مضمون وهدف المقال، وهو الإجابة عن سؤال هام ويتردد على ألسنة الكثير من الناس اليوم، بداخل السلطنة وخارجها ممن يقيسون الدول بمقاييس براميل النفط والدولار، والسؤال هو: هل السلطنة ند لأمريكا أو إيران حتى تصبح دولة وفاق وتوفيق بين قطبي صراع الملف النووي!؟ ولماذا السلطنة وليس غيرها !؟ وهل هي مبادرة من السلطنة أم دور أوكل لها من قبل الكبار !؟.جميعها في الحقيقة أسئلة مشروعة ومنطقية، لمن أراد الفهم بغض النظر عن نيته منها، فنحن بطبيعة الحال معنيين بظواهر الأمور لاماتخفيه الصدور.

فسلطنة عُمان ومنذ بزوغ فجر نهضتها في العهد القابوسي المجيد، وهي تحرص كل الحرص على توظيف مكارم الأعمال والأفعال في علاقاتها بالآخرين، على اعتبار أنّ الصيت لايفنى، وفوق هذا عمر أطول وحياة أخلد لصاحبه وإن فنى الجسد وغابت الصورة، وهذا مانسميه اليوم وبالأمس بالتاريخ،فالتاريخ يُصنع كل يوم، وليس تراث صنعه الأجداد لنقرأه نحن فقط، فنحن سنصبح ذات يوم أجداد وأقوام خلت كذلك، وبما أن التاريخ سلسلة من الأحداث يصنعها البشر، وصفحات بيضاء يدونون بها صنائعهم، فإن ذلك يسري علينا وعلى السلف والخلف معًا.

الدافع الأكبر للسلطنة في سعيها اليوم لخطواتها السياسية هو موروثها التاريخي، هذا الموروث الذي صنعته الأفعال وإرادات الرجال أولًا وأخيرًا، وهذا الموروث الذي ينظر من خلاله الآخرون إلينا ويلتمسون منا إعادة إنتاج تاريخ عُمان بأجلى صوره وأعمق معانيه.

لاشك أنّ الصراع الإيراني الغربي مسرحه المنطقة العربية وليس الأسكيمو، وكما حرصت دول الجوار الكوري الشمالي وبكل قوتها ( اليابان، الصين، كوريا الجنوبية) على الحضور والفاعلية في كل تفاصيل الأزمة بين واشنطن وبيونج يانج كدول فاعلة وحيوية تعلم كل العلم بتداعيات هذه الأزمة عليهم سلبًا أو إيجابًا وأهمية إدارتها بحكمة وروية وسلمية، كانت رؤية السلطنة كذلك بأهمية حل الصراع الإيراني الغربي بسلمية وحوار مسؤول وواع، وعلى رأسه الملف الأخطر وهو الملف النووي وعلى قاعدة ( رابح/ رابح) أي حفظ المصالح العليا العميقة للطرفين وترحيل تسجيل النقاط إلى أزمنة أخرى، عل الأيام تكون قد أنضجت قناعات وتولدت أولويات مصالح جديدة وقواعد إشتباك ناعمة وسلمية تتناغم مع لغة العصر وتحفظ الأمن والسلم الدوليين.

فالسلطنة تعلم أنّ قرع طبول الحرب في زمننا هذا وفي منطقة شديدة التوتر وسريعة الإشتعال كمنطقتنا، سيجعل الممكنات اليوم في خانة المستحيلات غدآ، وسيولد واقعًا جديًا مليئًا بالتداعيات السلبية الجسيمة، وهذا مايتجنبه العقلاء على الدوام.سلطنة عُمان اليوم في حقيقتها ندًا لأمريكا ولإيران بأفعالها ومساعيها الحميدة، وبروح المبادرة، والأهم من كل ذلك وقبله، هو قناعة الآخرين بالدور العُماني وقبولهم بمساعيها دون تردد، فالأمور لاتقاس بالمال ولا بالبوارج وقعقعة السلاح دومًا، بل تقاس كذلك بالحكمة والأفعال والإرادات والتي تصنع كل تلك المنافع وترقى بها.

قبل الوداع : كل إنسان في حقيقته شخصان، شخصيته الحالية، ومايمكن أن يكون وينسحب الأمر كذلك على الأوطان. فلكل أمرئ مانوى ولما سعى، وبالشكر تدوم النعم.

مسقط : 21/7/2015م

تعليق عبر الفيس بوك