الأثرياء حقاً

مريم العدوية

يكمن الثراء بكل تأكيد في امتلاك أمر محبب وقيّم بوفرة، ولكن ليس شرطاً أن يكون مالاً كما درجت العادة. فماذا عن الوقت مثلاً؟

في الواقع الوقت هو المادة الأكثر قيّمة من بين أشياء أخرى كثيرة، وبينما كل شخص يمتلك أربعا وعشرين ساعة إلا أن القليلين الذين حقا يمتلكونها!

ما معنى أن أكون حيا ولستُ كذلك؟ حيثُ الحياة لا تكمن في البقاء بنبض متدفق ولكنها منطقياً تعدو على ذلك بكثير؛ فالحياة المليئة بالأثر مختلفة تماماً عن الحياة الروتينية وعلى الهامش والخالية من كل بواعث الحركة. وفي المقابل جميعنا يمتلك أربعا وعشرين ساعة ولكنها تمر ميتة ودون أن تهبنا ما في لدنها من حركة وصخب ومتعة؛ لذا نحن نفتقدها عِوضا عن امتلاكها!

وليس بغريب أن يكون الوقت من الأمور المهمة في قائمة الكاتب روبن شارما، تلك القائمة التي وضعها في كتابه دليل العظمة، مؤمناً بأن الوقت هو الزيت الذي تدور به طاحونة الحياة، وبحسن إدارته سيخرج لك طحين ما أطعمتهُ طاحونتك من حبوب.

لتكون من أثرياء الوقت انتبه للصوص الوقت الذين ينهبون وقتك كلما سنحت الفرصة، رتب جدول يومك مبتدئاً يومك مُبكراً لتستيقظ مبكراً؛ وتلك إحدى نقاط قوة العظماء حسب روبن شارما في ذات الكتاب كذلك.

ولا تسمح لأولئك الذين لا يبالون بذهاب العُمر سدى أن يستنزفوا وقتك بأحاديث أو أمور لا تعود بالنفع عليك. العُمر مرة بالعُمر لذا لا تتهاون به أبداً.

فماذا يملك من يملكُ كل شيء عدا الوقت؟!

تخيل أن تُخير بين أن يُحيز الله لك الدُنيا وما عليها في مقابل أن تنتهي آخر دقيقة لك، وبين أن تمتلك بعضاً من متاع الحياة الذي يكفيك وبضع ساعات. أليست المقارنة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء. فما قيمة متاع بلا وقت! الوقت فرصة، ونفائس نمتلكها ونحن نهرول خلف السراب، الوقت كبريائهُ مختوم بأنفة السباق يمر سريعاً ولا يبالي بالذين لا يبالون! يدرك جيداً بأنهم خاسرون فيزدريهم ويتركهم يلعبون بينما يتبعهُ ظل سنين كثيرة مضت دون أن نكسبها، مضت وخسرناها، مضت وما زالت تمضي ونحن لا نتعظ!

شئنا أم أبينا سيمضي الوقت، لن نخزنه كالمال، لن يقبضه الأغنياء عن الفقراء، ولن يباهي فيه مالكوه كسائر النفائس، لكنهم وحدهم مالكيه من سيقضون نحبهم وهم راضين بما سلف، وقد عاشوا الحياة بطولها وعرضها وقضوا منها ما أردوا بقليل من المواعيد المؤجلة والمشاريع التي لم تأتِ والأحلام التي ظلت مجرد أحلام!

ربما للمناسبات التي تمر علينا في العام مرة ناقوس ذكرى وعبره، فرمضان والعيد، وذكرى ميلاد كل واحد منا، تقول لنا بملء فيها: ها هي أعماركم تمضي.

وقد قالها الشاعر من قبل بكل صدق:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها

والعمر ما مضى منه لا يعود

وقال آخر في ذات الموضع:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها

وكل يوم مضى يدني من الأجل

وقال الإمام الحسن البصري (رحمه الله): أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه. وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): إني لأكره أن أرى أحدكم (سبهللا) / فارغا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخره.

فما بالنا نسمع عن شباب في مقتبل العُمر يصرخون بضجر، بكلمات مثل: تعالوا لنقتل الوقت! كيف يبحثون بشغف عن ما يهدرون به رأس مالهم في دُنياهم وأفضل ما بين أيديهم!

يقول ابن القيم: السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمره شجرة طيبة.

وها هو رمضان يمضي بأسرع مما جاء ويأتي بعده العيد وكل أيام الله بما فيها من خير وبما في أنفسنا من شر، والسعيد من قبض وقته وساعاته واغتنمها وكسبها.

يقول الحسن البصري: يا ابن آدم، إنما أنت أيامٌ مجموعةٌ، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضُك.

الآن أصبح باب الثراء مفتوحا أمامك على مصارعيه وكل ما عليك أن تلج بسلام وأمن، ومن ثم تقدر قيمة ما تملك، ولتعلم بأن العمر في انقضاء ولكن الأثر الطيب والعمل والنجاح وكل ما تنجزه في هذه الحياة باق بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك