رمضان فرصة لتجديد العلاقات

خلفان العاصمي

أيام قليلة تفصلنا عن عيد الفطر السعيد، بعد ان عشنا روحانيات وتجليات شهر رمضان المبارك، وبكل تفاصيله الجميلة التي بعثت فينا فرصآ للتجديد في الكثير من جوانب حياتنا، سواء في تعاملنا مع من حولنا، او في التعامل مع معطيات الحياة بشكل عام، هذا التجديد والممتد ليشمل كل شيء في حياتنا، بدءا من علاقتنا بالخالق سبحانه وتعالى، هذه العلاقة التي تكون اكثر قربآ في هذا الشهر، بحكم ما به من عبادات وطاعات ونوافل كثيرة يتقرب بها الإنسان لربه، حيث يتسابق الجميع للبحث عن كل ما هو موصل لهذا القرب، فبخلاف العبادات المفروضة علينا نحاول بقدر ما استطعنا ان نبحث عن الأعمال التي تقربنا لله سبحانه وتعالى اكثر، فبدءا من الإسهام في حملات إفطار الصائمين والتي أخذت أشكالا كثيرة سواء من خلال التبرع المادي المباشر عبر القنوات المعروفة، أو من خلال إعداد وجبات الإفطار في المنزل وتوزيعها على الأماكن المخصصة لإفطار الصائمين، أو عبر التقنية الحديثة ومن خلال التبرع الإلكتروني عبر بوابات شركات الاتصال، وكذلك البحث عن أوجه أخرى للعمل التطوعي والذي يندرج تحت باب الإحسان، ففي رمضان تكون الفرص متاحة أكثر لهكذا أعمال وهي بوابات مشرعة للتقرب للخالق سبحانه وتعالى.

جانب آخر من جوانب تجديد العلاقات في الشهر الفضيل وهو تجديد العلاقة مع النفس، من باب ولنفسك عليك حق فالكثيرون منا نجدهم في أشهر السنة الأخرى وهم في حالة سباق محموم مع الزمن لقضاء مستلزمات الحياة والوفاء بمتطلباتها، في صورة ترهق النفس كثيرا، ولا نجد لها الفرصة الكافية لإراحتها فجهد جسدي متتالي يبدأ منذ ساعات الصباح حتى الخلود للنوم مصحوب بأمواج متلاطمة من التفكير، والإنشغال الذهني، الذي يؤرق المخ ويتلف الأعصاب في البحث عن فكرة جديدة تسهم في عمل ما او تزيد من الإنتاجية او لأي غرض كانت، او البحث عن حل لمشكلة ما وغيرها من الأمور الذهنية التي تشكل ضغطآ على الجهاز العصبي، بالإضافة إلى عدم الانتظام في تناول الوجبات الغذائية بحكم وجودنا لساعات أكثر خارج المنزل، ونتعرض كثيرا لتناول وجبات غير صحيّة من المطاعم والمقاهي ويأتي رمضان ليقربنا من أنفسنا لنريحها ونبحث لها عن الهدوء والسكينة، فساعات الدوام قليلة في رمضان وروحانيات الشهر تساعد كثيرآ في عمليات الإسترخاء والتفكير الهاديء، كذلك بالنسبة للتغذية ففي رمضان يكون اكل البيت هو الخيار الأول فجميع الوجبات تكون معدة بشكل صحي ونظيف.

وبعد تجديد العلاقة مع النفس تأتي الأسرة، والتي نحن بحاجة دائمة لتجديد علاقتنا بها ويأتي رمضان ليمنحنا هذه الفرصة فكما ذكرت سابقآ فإن نسبة التواجد في البيت خلال رمضان هي الأكثر من غيره من الشهور (خارج مواسم الإجازات) فنجد الحميمية العائلية تكون الأكثر في رمضان، فهناك تفاصيل كثيرة تتأصل فيها علاقتنا بأفراد الأسرة سواء من خلال الإلتقاء اليومي على مائدة الإفطار الرمضاني، ولحظات انتظار اذان المغرب وما قبل ذلك من تجمع يتيح الفرصة لمناقشة مواضيع مرتبطة بالأسرة بشكل عام او احد افرادها في جو قابل للحوار والنقاش مما يوطد هذه الحميمية ويعزز لدى الأطفال والناشئة مفاهيم الحوار وأدواته كالإنصات وغيرها، بغية الوصول لنقطة اتفاق، كذلك فإن اداء العبادات بشكل جماعي مع الأولاد فهو يقربهم من بعض أكثر ويعزز لديهم مفهوم التماسك الأسري واللحمة العائلية والتي قد تكون غائبة أو نادرة خارج الشهر الفضيل، وعندما نتحدث عن الأسرة بمفهومها الصغير فالحديث ايضآ يرتبط بالأسرة الكبيرة بكل عناصرها ومكوناتها ومن هنا تتأصل قيمة صلة الرحم فالزيارات العائلية في رمضان تكثر وكذلك التجمعات على مستوى العائلة تزيد ومن هنا يكون القرب.

لوحة أخرى تجسد معاني القرب الرمضاني تتمثل في الجيران وابناء الحي وخاصة لمن هم في المدن فنجد أن الحياة ومشاغلها، والتزاماتها قبل احتياجاتها تأخذنا كثيرا ممن هم حولنا، الجيران وأبناء الحي الذي نقطنه فكل منا لاهٍ في حياته مشغول بدنياه إلا في شهر رمضان حيث تكون الفرصة لتجديد هذا القرب من خلال التزاور وتلبية الدعوات المؤجلة سواء لتناول الإفطار أو العشاء، وما أجمل أن يتذكر الجار جاره في لحظات الغروب وعند تجهيز موائد الإفطار فيقاسمه إيّاها في لوحة جميلة توثق العلاقة التي يجب أن تكون وفق منهج التوادد والتراحم والذي هو صفة من صفات شهر رمضان، أعاده الله على الجميع وهم في صحة وعافية وخير وسعادة.

تعليق عبر الفيس بوك