استحالة الحد من تدهور مؤشرات الجوع في العالم

عبيدلي العبيدلي

فيما ينشغلُ العالم أجمع بقضايا مثل نتائج المحادثات الإيرانية مع مجموعة (5 +1) بشأن المفاعل النووي الإيراني، ويتابع العرب -بشيء من الذهول والاستغراب- معارك شبه عبثية تنشب أظافرها في العديد من الأقطار العربية، تنشر ثلاث هيئات تابعة للأمم المتحدة (منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي) تتعامل مع مشكلة الغذاء في العالم، تقريرا مشتركا، تحذِّر فيه من المصاعب التي تجعل من وضع حدٍّ للجوع في العالم مهمة شبه مستحيلة. يفصح ذلك التقرير بوضوح لا يحتمل المناقشة بأن "إنهاء الجوع في العالم بحلول العام 2030 سيتطلب استثمارات بقيمة 267 مليار دولار سنوياً خلال السنوات الـ15 المقبلة. وإن الدول الفقيرة ستحتاج إلى مساعدة لتحقيق الهدف (عن طريق) إغلاق الفجوات في التمويل ويمكن تحقيق ذلك من خلال موارد دولية أكثر سخاء، مقارنة بالوضع خلال الربع قرن الأخير. (هذا على الرغم من) أن معدلات الجوع في العالم قد تقلَّصت بنحو 50 بالمائة خلال الفترة من العام 1990 حتى العام 2015".

ومن جانبه، أكَّد المدير العام للفاو جوزيه جرازيانو دا سيلفا، أنَّ هذه الإحصاءات "تساوي 0.3% من إجمالي الناتج المحلي في العالم، (مضيفا) أنا شخصيا أعتبر أن الثمن الواجب دفعه للقضاء على الجوع المزمن منخفض نسبيا".

ونستذكر هنا ما نقله الكاتب محمد بدوي في العام 2014، حين نقل: "العبارة البليغة التي قالها منذ حوالي عقدين من الزمن رئيس دولة سابق بالمؤتمر الدولي للتغذية سنة 1996، والتي لا تزال سارية المفعول في الوقت الراهن، (محذرا من أن) الجوع قرين الفقراء الذي لا يمكنه فصله عنهم، فهو سليل التوزيع غير العادل للثراء بالعالم".

وفي الاتجاه ذاته، هناك مقولة مهمة للمدير العام السابق لمنظمة التغذية والزراعة (فاو) جاك ضيوف، يحذر من أن "الجوع بالعالم ليس فقط مسألة أخلاقية واقتصادية... بل مسألة تؤثر أيضا على السلم والأمن بالمعمور، (مؤكدا) إذا كان هناك درس واضح وبسيط خلال 20 عاما القادمة، فيتجلى في أن الملايين من الأشخاص الذين يعانون من الجوع بالعالم لا يمكن إطعامهم بالخطابات".

وترسم الكاتبة إسراء مهدي محمد صورة واضحة للمجاعة التي تهدد مصير البشرية ومستقبلها، من خلال الاستعانة ببعض الأرقام، تقول فيها: "يعيش فوق كوكب الأرض 6 مليارات من البشر يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب الـ3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أمريكيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا".

ثم تضيف إسراء إلى تلك الأرقام بعض المقارنات بين الأوضاع في البلدان الفقيرة وتلك الغنية قائلة: "إن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية".

وتواصل إسراء -في صيغة تقترب من التهكمية- تشخيصها لمأساة الفقر التي تلم بالدول النامية، محذرة من أنه بينما يفتقر "33.3% من سكان وفي البلدان النامية لمياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% للسكن اللائق، و20% لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية، (فإنه) في المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، وتصل ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم إلى نسبة تتجاوز دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وأنهم لو ساهموا بـ1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي".

وليس أدل على بشاعة الجرائم التي باتت تسود سوق المواد الغذائية، من تلك الكلمات التي خاطب بها البابا فرنسيس بابا الفاتيكان قمة الغذاء المنعقدة في إيطاليا في العام 2014، حين أبدى أسفه بسبب "المضاربة التي تحدث في دول العالم على السلع الغذائية والنزعة القومية والطمع في تحقيق الأرباح، (مضيفا أنها باتت من بين) الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة الجوع في العالم وذلك".

ولم يكن البنك الدولي بعيدا عن هذه المسألة؛ فوجدناه يحذر من أنه على الرغم من "النزول بخط الفقر إلى 1.25 دولار فقط للفرد في اليوم فإن 20 بالمائة من عدد سكان العالم يعيشون في فقر. وأن هذا يعني أن 1.3 مليار شخص يعيشون تحت خط الفقر، مشددًا على ضرورة إدراك الدول أن النمو الاقتصادي لا بد أن يكون شاملًا وجاذبًا للمستضعفين والمحرومين بدلًا من التخلي عنهم في الهامش".

وأخيرا.. هناك النظرة المتشائمة التي يتحدَّث بها الباحث جين جيا وميللي -من جامعة أريزونا- نقلا عن زميله تشي من جامعة كولومبيا في نيويورك، التي يقول فيها: "إن ازدياد سكان العالم حتى عام 2050 سيتطلب زراعة مليار هكتار من الأراضي الزراعية الإضافية، ولا شك أن ذلك غير ممكن، حيث إنَّ الماء يشكل ثلاثة أرباع كوكبهم. كما أنه من غير المتوقع أن ينجح البشر، حتى هذا العام، في غزو الفضاء واستثمار الأراضي زراعيا هناك".

وللعلم فقط -وكما تُجمع المصادر التي تتابع مشكلات الفقر والجوع في العالم- فإن "أي ارتفاع بنسبة 1% من أسعار المواد الغذائية الأساسية يضيف حوالي 16 مليون الى أعداد المتضررين من المجاعة في العالم".

تعليق عبر الفيس بوك