مقترحات وحلول للتقاعد والمتقاعدين

علي المعشني

لا شكَّ أنَّ التقاعدَ والمتقاعدين من القضايا المهمة والمؤرِّقة لكلِّ أطياف المجتمع العُماني ومكوِّنات الدولة بلا استثناء؛ كون هذه الشريحة أصبحتْ تُعدُّ بعشرات الآلاف من الموظفين اليوم ممن أفنوا زهرة شبابهم وربيع أعمارهم في خدمة هذا الوطن العزيز، منذ بزوغ الفجر القابوسي المبارك، واستجابة لنداء النهضة وهاتف بُشراها.

هذه الشريحة الواسعة والمهمة والمتراكمة في مجتمعنا كل عام، تعاني كثيرًا من جور القوانين والإجراءآت معًا والتجاهل غير المبرر؛ فالتقاعد يُعد عندنا في خانة العقاب في مواد بقانون الخدمة المدنية!! والتقاعد بوضعه الحالي يُنتج بالضرورة مواطن متضرر يبحث عن وظيفة لجبر ضرره. وبهذا؛ فإنَّ المتقاعد "مغضوب عليه" ومُعاقب وفق قانون الخدمة المدنية الحالي، وليس مُكرَّمًا وفق قوانين أغلب الأقطار الأخرى ومنطق الأمور، وباحث جديد عن عمل يُزاحم المستحقين الجُدد لجبر ضرره المادي بالدرجة الأولى، لتجنُّب أروقة المحاكم وأقبية السجون في أرذل العمر وخريفه.

كُنَّا نأمل -طيلة العقدين الأخيرين، على أقل تقدير، من عُمر نهضتنا المباركة- أن يصدر قانون موحد للتقاعد يتمتع بالحيوية والمرونة والجذب والإنصاف، وأن يجتمع الجميع تحت مظلة تأمينية واحدة وصندوق تقاعد واحد، لبسط المساواة والعدل بين الجميع، ورفع منسوب الرضا عن الوطن، وخفض منسوب السخط، ولكننا سمعنا جعجعة كثيرة ولم نرَ طحينًا، ووعودا كثيرة دون نتائج على الأرض. بل الأدهى في التقاعد وحالة المتقاعدين، أنَّ هناك بيننا عدة شرائح متقاعدة وفق قوانين متباعدة في الزمن ومختلفة في المضمون!! رغم أنَّ علمي المتواضع بالقواعد القانونية، والتي تنصُّ على أنَّ القانون يجُب ما قبله، وقد صدر عدد من التعديلات على قانون التقاعد لتحسينه وجبر ضرر المتقاعدين، ولكنها تشمل الجدد وتهمل القدماء، رغم أنَّ كل مرسوم يختم نصه بعبارة شهيرة ومعروفة وهي ".. يُلغى كل ما يتعارض مع هذا المرسوم، أو يتعارض مع أحكامه".

وهنا؛ يُعتبر الكثير بيننا متقاعدين وفق قوانين قديمة وملغاة بحكم القانون وقواعده العامة، مادام لم يُشر المشرِّع إلى مواد بعينها في قوانين مثيلة سابقة. كما أنَّ هناك تجاربَ مُضيئة كثيرة تتسم بالمرونة العالية في تشريعاتها لإلحاق جميع المعنيين بمظلة الامتيازات القانونية الجديدة والتي تعني قطاعًا بعينه أو شريحة في المجتمع.

لاشك -ومن باب الإنصاف- أنَّ حصول المتقاعد على نسبة 80% من إجمالي الراتب، تعتبر نقلة نوعية في قانون التقاعد وجبر ضرر الموظف وتكريمه، وأن تعديلات جداول الرواتب الأخيرة حسَّنتْ كثيرًا من الوضع المعيشي للموظفين. ولكنها خطوات غير كافية لتأمين الحماية الكاملة للموظف وأسرته من بعده بشكل دائم، ما لم تُدعم بجملة من المزايا الإسنادية الجاذبة؛ فرغم أنَّ النسبة أعلاه والتعديلات كانت مطلبَ البعض وحلمَ الآخر، إلا أننا لم نرَ على الأرض نتائج إيجابية لجذب الموظفين للتقاعد والتخفيف عن كاهل القطاع العام المُتخم بالتكدس الوظيفي غير المُبرر وغير الصحي على الإطلاق، وهذا من واقع التجربة المعُاشة منذ عام 2011م ولغاية اليوم. بل أخلَّت تلك التعديلات بمنظومة العمل والرواتب في القطاع الخاص، وأضرته بشكل كبير؛ نظرًا للفجوة الهائلة والمزايا بين القطاعين.

وفي تصوري الشخصي أنَّنا بحاجة ماسة إلى جُملة من الإجراءآت الذكية فقط، طالما تسلح البعض دومًا بمبرر شُح الموارد المالية كذريعة لترحيل الممكنات من التقاعد لنجعل من التقاعد فضيلة وتكريم ونحيلها إلى خدمة (سلعة) جاذبة بكل المقاييس ووفق معايير الإدارة المعاصرة، والتي تحرص على جعل كل خدمة سلعة، تحفها كل شروط قانون الجذب والطرد في الاقتصاد والتسويق الناجح.

ومن جملة هذه الإجراءات:

1- ضرورة النظر في جدولة قروض المتقاعدين وفق الآتي:

- إعفاؤه لمدة عام -على الأقل- من سداد أية أقساط شخصية أو إسكانية أو تمويلية، لترتيب وجدولة أموره المالية.

- شراء الحكومة لفوائد قرضه الإسكاني إن وجد، أو مشاركته بنسبة من فوائد قرضه الشخصي أو التمويلي.

2- ضرورة انتفاع المتقاعد بالعلاوة السنوية الدورية بانتظام؛ حيث تُعِيْنه تلك العلاوة رغم تواضعها على مسايرة وتيرة المعيشة المتصاعدة.

3- ضرورة تفعيل البطاقة التموينية للمتقاعدين وأسر الضمان ومن في حكمهم، تخولهم بالحصول على سلع تموينية ضرورية من الاحتياط الغذائي العام للدولة بسعر التكلفة وفق حصص مدروسة، خاصة وأنَّ تلك المواد تُحفظ لمدد زمنية محددة قبل طرحها في الأسواق بأسعار مخفضة لتجديد المخزون.

4- تخصيص الأعمال التالية (بالأولوية) للمتقاعدين فقط؛ لجبر ضررهم ووفق قدراتهم ومؤهلاتهم: سيارات الأجرة، حافلات النقل العام، حافلات المدارس، صهاريج المياة، تعليم السواقة، نقل الغاز وتوزيعه وما في حكمها من أعمال. وذلك بقصد تحسين الجودة لتلك الخدمات، والالتزام، وتوجيه قوة العمل من الشباب العاملين في هذه النشاطات اليوم إلى قطاعات إنتاجية أكبر.

5- إعادة تدوير المتقاعدين من الفنيين والحرفيين من مخرجات المؤسسات العسكرية والأمنية (طياري نقل، أطباء، ممرضين، عازفي آلات موسيقية، حرفيين، سواقين معدات وشاحنات ثقيلة، إدارة مطارات وملاحة جوية، ملاحة بحرية)...وغيرهم ممن يُمكن الاستفادة منهم بعقود خدمة في قطاعات خدمية وصحية وتعليمية ونقل وإتصالات...إلخ، وإحلالهم بالوافدين وبذات المزايا ومنحهم الأولوية في التعيين.

6- استصدار قانون المستثمر الصغير، والذي يتيح للوافد الراغب الاستثمار وكفالة نفسه في الأنشطة التجارية من الدرجة الرابعة، لتحسين خدماتها وجودتها، ومن باب القضاء على التجارة المستترة، وكتجربة رائدة ومتميزة لسوق العمل وفق الضوابط التالية:

أ- عمر المشروع الاستثماري 6 أعوام قابلة للتجديد لنفس المدة فقط.

ب- إيداع المستثمر لمبلغ 20 ألف ريال عُماني نقدًا في البنك المركزي العُماني لمدة عمر المشروع كوديعة كل ستة أعوام قابلة للرد بعد إنقضاء كل فترة.

ج- يُشترط على المستثمر الصغير تشغيل موظف عُماني واحد فقط، وفق قانون وجدول رواتب وزارة القوى العاملة ونُظم التأمينات الاجتماعية.

ويُرجى من مشروع المستثمر الصغير، تحسين الخدمات ورفع جودتها وفق شروط التحسين والمزاولة المرفقة بشروط الاستثمار، وتحمل الوافد لجميع تكاليف المشروع والعمالة والتراخيص الرسمية، وفتح الباب لوظائف للمواطنين وعلى رأسهم المتقاعدين.

وعلينا أن نتخيَّل -وبحسابات ورقية سريعة- أن عدد 60 ألفًا فقط من مجموع الوافدين (مليون و800 ألف نسمة)، جذبهم القانون الجديد وأقاموا منشآتهم الخاصة بهم، فهذا يعني 60 ألف وظيفة، وودائع نقدية تقدر بمليار و200 مليون ريال عُماني، إضافة إلى رسوم النشاط من سجل تجاري وشهادة انتساب ورسوم بلدية...وغيرها من الجهات المختصة، وبطاقات عمل، وتأمينات اجتماعية وصحية واستهلاك خدمات (هاتف، كهرباء، ماء، محروقات، نقل) وإيجارات محلات ومساكن.

جميع ما ذكرته من مزايا هو عبارة عن جملة من الإجراءات التنظيمية (تشريعات، قرارات) لا علاقة لها بإنفاق مالي أو معتمدات خارقة أو مرهقة للإنفاق العام، كما هو هاجسنا وتفكيرنا وتخطيطنا دائمًا، ويُرجى منها تنظيم سوق العمل، ورفد خزينة الدولة، وبسط الرضا الوظيفي والوطني بين المواطنين، وفرز قوة العمل بين الطاقة الشابة والخبرة ومزجهما وتوظيفهما لخدمة الوطن والصالح العام، بكل جدارة واستحقاق.

قبل اللقاء: لا يُمكن أن يكون المواطن وفيًا وأمينًا على المكاسب الكبرى للوطن، ما لم تكن له مكاسب صغيرة، خاصة به من حقوقه على الوطن.

وبالشكر تدوم النعم....!

تعليق عبر الفيس بوك