عطاء الدم

ناصر بن سيف الجساسي

في العام 1983 تعرض أحمد الخروصي لحادث سير أليم ولولا لطف الله وعنايته لفقد حياته أو على أقل تقدير عاش معاقاً نظراً للإصابات البليغة التي تعرض لها حيث إنه أصيب بنزيف حاد في الرأس وارتجاج في المخ وظل فاقداً للوعي لأكثر من أسبوعين وبعد ذلك وعلى مدار ثلاث سنوات تنقل أحمد بين مستشفيات السلطنة وبريطانيا للعلاج وصارت العقاقير الطبية والعمليات الطبية رفيقه الدائم .

في تلك الأعوام لم يكن الدم متوفراً في السلطنة كما هو عليه الآن وقد يكاد شبه معدوم في أغلب الأوقات وقد تطلب علاج أحمد توفير نسبة كبيرة جداً من الدم وفي كثير من الأحيان كانت الحكومة تجلب الدم من خارج السلطنة حتى يتم توفيره للمرضى مما كان لهذا الأمر بالغ الأثر في نفس أحمد فاعتبره ديناً ووجب عليه تسديده للوطن بعد شفائه .

بعد أن تماثل أحمد للشفاء تطوع لأجل الوطن ووهب نفسه "ودمه" ووقته لإنقاذ حياة الآخرين جاعلاً رسالة التبرع بالدم هدفه الوطني الأول والأسمى، ففي العام 1986 خرجت منه أول قطرة دم وإلى يومنا هذا وهو مستمر في تسخير "دمـــه" للوطن وللإنسانية فقد وصل عدد مرات تبرعه بالدم إلى أكثر من 100 مرة وكان عاملاً رئيسياً ومؤثراً في تبرع أكثر من 6000 شخص على مستوى السلطنة والخليج وتمّ تكريمه من قبل وزارة الصحة بلقب المتبرع العام بالسلطنة وأيضاً تم منحه العضوية الدائمة في دائرة خدمات التبرع بالدم وتمّ تكريمه من قبل الكثير من الجهات بالسلطنة وخارج السلطنة وتقديراً وامتناناً لتلك الجهات قام أحمد بعمل متحف في بيته أسماه متحف الأوسمة والزائر لهذا المتحف يعجب من طريقة التصميم والعرض .

يشارك أحمد في الكثير من الفعاليات الخاصة بالتبرع بالدم في داخل السلطنة وخارجها وعمل متطوعاً ضمن الكثير من الفرق التطوعية والأهلية والهيئات الحكومية والخاصة ينتقل بينها كالنحلة دون كلل أو ملل مستمتعاً بعطاء "الــدم" الذي يمنحه للوطن والإنسان ..إن مسيرة عطاء الــدم تمتد إلى قرابة ثلاثين عام ومع ذلك يستحيل أن يٌرى وجه أحمد عابساً أو متأففاً أو مكفهراً، إنه حقاً نموذج وطني يستحق أكثر من شهادة تقدير أو درع تذكاري .!

في كثير من الأحيان تصادفنا ظروف سيئة ونشعر أنها النهاية ولكن الله عزّ وجلّ يريدها أن تكون لنا البداية، فقط علينا أن نثق أن كل ما يحدث لنا هو خير من الله عزّ وجلّ وعلينا أيضاً أن ننظر دائماً للجانب المشرق من المشكلة وأن نكون إيجابيين في جميع شؤون حياتنا.

نحتاج أن نكون أكثر أيماناً وقرباً من الله، نحتاج أن نتعامل مع همومنا وظروفنا بكثير من الإيجابية والحيوية وليكن حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم منهاجاً ونوراً نهتدي به في حياتنا " عجباً لأمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر وكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر وكان خيراً له.

حقق أحمد شهرة إعلامية واسعة وسمعة طيبة عالية في عمان وخارجها وذلك من خلال حادث مروري حدث له عام 1983 تكيف معه بطريقة إيجابية وحقق من خلاله نجاحاً منقطع النظير..يا ترى كم منّا يستطيع التكيف مع ظروفه السيئة ويحولها لنجاحات مبهرة ويكون شخصاً ذا قيمة عالية في مجتمعه ووطنه ؟!

تعليق عبر الفيس بوك