المثقف.. دور طليعي في البناء المجتمعي

إيمان بنت الصافي الحريبي

في عالم اليوم الذي يرتبط فيه الفرد بوسائل اتصال مختلفة،نتساءل: ماهودور قادة الرأي والمثقفين في إعادة تعريف علاقتنا بما حولنا، وعندما نقول المثقف هنا فإنيلا أعني من يعرف القليل عن الكثير بل طالب العلم والمعرفة المتعمق في الاطلاع والتفكر والتدبر، وفي ظل متغيّرات كثيرة وطبيعة الانفتاح على ثقافات مختلفة يبرز دور المثقفين وقادة الرأي في توجيه البوصلات ودحر الشائعات ودحض المغالطات وتقديم المعلومات المفيدة وخلاصة رؤاهموقراءتهم في لغة سهلة بسيطة بعيدة عن التكلف واستعراض الكلمات التي لايمكن للقارئ البسيط فهمها اواستيعابها أوتحليلها فبدلا من أن تصله بشكل إيجابي تأخذ منحنى يترتب عليه شعور سلبي أوترسيخ فكر خاطئ فالمثقف صوت الأمة ولسانحالها، والعين التي يرى من خلالها المجتمع ما يحدث في العالم من مجريات وأخطاربكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وهو أحد الترسانات المنيعة التي يمكن من خلالها التصدي للعولمة التي تريد التهام هوية الشباب وعقولهم، ولهذا يمكن اعتبار المثقف جنديًا يقف على ثغرة هامة في بنيان مجتمعه، حين يبصّر ويحلّل ويوضّح الحقائق وينبّه إلى المخاطر، ومتى ما كانت هذه الثغرة محصنة بالوعي والإخلاص، سيبقى المجتمع آمنا من أي متسلل أوطامع.

فالتجرد من الرؤية الشخصية والانطلاق إلى الرؤية الأشمل والأوسع التي تعزز روح المواطنة وتغرس الثقة في شخصية المواطن والقارئ وتغرس ثقافة العمل والإنتاج والروح الإيجابيّة وتعرف بمعنى التنمية وأهميّة مشاركة الجميع فيها. وألا يغرق المجتمعفي أمور فلسفية لا تعود عليهم بشيء وإلقاء اللوم على المجتمعات،والتوجيه الأمثل للتعامل مع معطياتها وأسبابها وكذلك كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وبث المعلومات المفيدة والبعد عن التذمّر والذم عبر هذه الوسائل بما يخلق روحًا سلبيّة لدى المجتمع وهوما ننشده في مقالنا فهذا فهو- حسب رأيي المتواضع - المثقف الفاعل، الذي يدرك أنّه صفوة المجتمع، وأنّ لقب مثقف أومبدع إنما هولقب مسؤولية لا تشريف، إنّه نوع لا يصيبه اليأس من التناقضات الموجودة، وتتملكه الغيرة على وطنه ومجتمعهويسعىللتنوير والتغيير إلى الأفضل.

في الوقت الذي ننادي فيه المجتمع بضرورة أن يفتح أبوابه للمثقف المبدع، وأن تفرد له المساحات الإعلامية كي يقدم دورًا تنويرًا إيجابيا للآخرين، فإننا في الوقت ذاته نطالب المثقف سواء كان قارئا أوكاتبا أوفنانا أوإعلاميًاأن يعمّق دوره المؤثر في المجتمع من خلال أن يكون إيجابيًا في تفكيره ومواقفه،ساعيًا إلى نشر ثقافة التفاؤل والإنتاج وأن يمتلك حصانة فكرية قويّةتحميه من أي ثقافات دخيلةوأن يكون قادرًا على تكوين فكر مستقل خاص به، ساعيا إلى التحليل الواقعي السليم، وأن يكون أمينًا في طرح المعلومة متجردًا من أي مصلحة شخصيّة وكل ما يحركه هوالغيرة على مجتمعه وأمته ودينهوالرغبة العميقة في تغيير واقعه إلى الأفضل، وألا ينبهر أوينساق وراء التهويل الذي قد يجري لبعض القضايا، فيتعامل مع الأحداث بموضوعية، ولا يعطي الأمور أكبر من حجمها، ويسعى إلى تحري الحقيقة أينما كانت، لأنّه مؤتمن على إيصالها للآخرين وكذلك أن يطرق القضايا الحقيقية التي تلامس مجتمعاوتحدث تغييرًا فعليًا في عقلية المتلقي، ويحذر من السير وراء القضايا التافهة التي لا يهمها سوى الإثارة الإعلامية، وتغييب العقل، أيضا أنّ يقرأ التاريخ قراءة صائبة محللة، وأخيرًا، أن يمسك زمام المبادرةفي توعية المجتمع، ويبثفيهمروح الحماسة والتفاعل مع القضايا. قد يقول قائل ماذا تريد فتاة لم تتجاوزالعشرة أعوام في ميادين الإعلام والصحافة وتوجه مقالا للمثقفين وقادةالرأي؟ ما أريد هومايريده غيري في المجتمع المحافظة على المكتسبات الوطنيةوعوامل النهضة وضمان وعي الأجيال الحالية للمحافظة عليها فالتاريخ يؤكد على الدوام أنّ الروح الوطنية التي تتجسد في الشخصية العمانيةهي واحدة من أسباب خصوصيتها وميزاتها؛إضف إلى ذلكالتراث العريق الذي يجب أن نحافظ عليه وتعرف به وأن يستفاد منه لأن يكون طاقة دافعة تولدلديناثقافة العمل والأمل.

إذن فالمسؤوليات التي تصحب الاطلاع والثقافة هي تنوير واطلاع الآخرين على مصادر العلم والمعرفة وكتابة وتوثيق العلم النافع وتعريف المجتمع بما هوجديد حتى تصبح المعرفة والوعي منتجا رائجًا في مجتمعنا فالأمم التي تستهلك ولاتنتج بصورة عامة تحمل عوامل هدمها ولوبعد حين.

إنّ إنتاج المعرفة ينطوي على التعرف والاطلاع على مصادر العلم والمعرفة واستيعابها وإعادة تقديمها بصورة أكثر ابتكارًا للآخرين،في العصر الذهبي للدولة العباسيّة كان الخليفة المأمون يكافئ المترجمين والعلماء بوزن مايترجمون ذهبا وهذا نموذج للعصر الذي كانت فيه أمتنا منتجة وليس مستهلكةللمعرفة.

أخيرًا.. ما أحوجنا في عصرنا هذا إلى اطلاع ثمّ استيعاب القراءة ثم تفكّر وتنظير ثم تطبيق وتدبر ثم إنتاج.

تعليق عبر الفيس بوك