لعنة التسابق مع القطار

-لطيفة الحياة-

ننشأفي ثقافة مجتمعية، تحقننابحقنةالتسابق مع القـــــــطار. وهوقــــطار وهمي تسمع عنهولا تراه؛ممايجعلك تعيش تحت ضغطالخـــــوف من أن يفــــــوتك،فتصبح في عـــــجلة من أمــــرك وسباق مع ظلك،لا تكادتلتقط أنفاسك ولايهنأبالك.ولهذا، تنام وكأنك لم تنم، لأنك تقفز من نومك مخافة أن يفوتك هذا القطار اللعين. تأكل ولا تتذوق طعامك، لأنك تسرع في ابتلاعهمخافة أن يفوتك القطار. تشرب فتظل عطشان، لأنك تلهث جرياً مخافة أن يباغتك فيفوتك.تدرس فلا تفقه شيئاً، لأنّهمك الحصول على الشهادات والدبلومات مخافة أن يفوتك قطار التوظيف. تتزوج ولا تتعرف على زوجك، لأنّك تسرع في التكاثر حتى لا يفوتك قطار الإنجاب.تعمل فلا تتقن عملك، حتى لا يفوتك قطار الترقيات والسلالم والدرجات. تصلي ولا تخشع، لأنّك تسارع في تأديةالواجب الديني حتى لا يفوتك قطارالجنة. تشتري مسكنًا فلا تشعر فيه بسكينة، لأنك تسارع بالتملك العقاري حتى لا يفوتك قطار الملكية.

هكذا إذن، تمضي عمرك متسابقاً مع القطار الذييباغتك مرة باسم الوظيفة ومرة باسم الزواج ومرة باسم الإنجاب ومرة باسم الترقية ومرة باسم الجنة ومرة باسم التمليك...والنتيجة أنك تصبح كائناً مبرمجًا على السرعة والخوف. كائنا متعجلا، فقد كل الإحساس بحاضره والاستمتاع بلحظته، لأنه دائمالخوف من المستقبل الذي هو في علم الغيب ولا يعرف هل سيدركه أم لا؟ كائن قدماه لا تلامس الأرض، فهيهات هيهات أن تمسها، بحيث تحققت فيه دعوة النبي موسى على السامري بألا مساس في الحياة (قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مسَاسَ).كائن بوجه شاحب وقلب كئيب وجسد متعب، دائم الشكوىوالتشاؤم منلا يجيد غيرالشكوى، لأنه فقد السلام الداخلي وفي غمرة عيش ملأه الخوف من فوات القطار، تفاجأ يومًا بفتح عينيك على حقيقة مرة ألا وهي:فاتتك الحــــياة أيها الكـائن ذو الوجه الشاحب والقلب الكئيب والجسد المتعب. فاتك أن تستثمر فرصتك في هذا الكون الجميل أيها الكائن المتشائم الدائم الشكوى. فاتك أن تحب نفسك وتعشق اسمك،فتستشعر السلام الداخلي.فاتك أن تستمتع بتفاصيل الوجود فيكومن حولك.فاتك أن تتحسس جسدك وتعانق نفسك، بأن تنصت إلى دقات قلبك وخطى قدميك. فاتك أن تنظر إلى وجهك في المرآة، فتبتسم لروحك وتصافح بريقها في عينيك. فاتك أن تتعرف على رائحتك الزكية ولونك الخلاب وبصمتك المميزة ورقصتك الساحرة. فاتك أن تستمتع بأزهار الشجرة جنبك وتمايل أغصانها وتفتح الوردة ورفرفة الفراشة وإشراق الشمس وغروبها. فاتك أن تستمتع برقصة الرياح وزرقة البحر وهدير الموج وبهجة الربيع وزقزقة العصافير ونهيق الحمير وطنين الذباب.

وإن فاتك هذا كله، فعن أيّ حياة تتحدث؟إنك مجرد كائن غريب عن هذا الوجود. كائن يعيش على السطح، عاجز كل العجز عن الغرق في داخله ليتحسس تفرده وتميزه. كائن ليست له مساحة خاصة، لأنه يجهل من يكون وما يريد. ومن لا يعرف كينونته لنيعرف غيره،فكيف له أن يرقى إلى التعارف كما هو في هذه الآية من سورة الحجرات (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ). فاسمح لي أن أسألك: من أنت؟ ماهي كينونتك؟.



تعليق عبر الفيس بوك