اختيار صائب!

فؤاد أبو حجلة

يمتلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس من السلطات والصلاحيات ما لا يمتلكه غيره من زعماء الدول وقادة الشعوب، فهو رئيس السلطة التي تحكم في الضفة وينبغي أن تحكم في غزة أيضا، ورئيس منظمة التحرير التي تمثل الفلسطينيين في الداخل وفي العالم، ورئيس حركة فتح التنظيم الأول والأكبر في المقاومة الفلسطينية.

ويأخذ الحديث عن خلافة عباس قدرا كبيرا من الأهمية والاستثنائية لأن هذه الخلافة تعني بالضرورة المناصب الثلاثة وليس رئاسة السلطة فقط، وذلك وفقا للعرف الفلسطيني الذي هو جزء من الأعراف العربية التي تنص على أن يكون الرئيس هو قائد كل المؤسسات والأول في كل شيء بدءا من الزعامة السياسية وصولا إلى الرياضة والفنون.

ولأن "أبو مازن" بلغ من العمر عتيا، ولأن القادة التاريخيين للنضال الفلسطيني قضوا استشهادا أو مرضا، فإن موضوع الخلافة يثير الكثير من التكهنات ناهيك عن التساؤلات، خاصة بعد أن أمر الرئيس بفصل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه نتيجة خلاف في الرؤى بين الرجلين، ولأن عبد ربه كان يجرؤ على النطق بكلمة "لا" أحيانا.

كان قرار عباس متوقعا بعزل عبد ربه، مثلما كان قراره متوقعا بتعيين صائب عريقات أمينا للسر في المنظمة، وهي خطوة أولى تمهيدية لتأهيل كبير المفاوضين الفلسطينيين لرئاسة السلطة التي تعتبر المفاوضات طريقا وحيدا للوصول إلى تسوية سياسية مع إسرائيل.

وقد هيأ الرئيس لهذه الخطوة بعد أن تمكن من خلال تفرده بالقرار، من استبعاد كل الشخصيات الأخرى المؤهلة أو المرشحة للرئاسة الفلسطينية، وتحديدا من قيادات الصف الأول في حركة فتح.

من هذه الشخصيات محمد دحلان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح (قبل أن يتم فصله منها بضغط من عباس)، وهو شخصية تتمتع بنفوذ سياسي وأمني في الساحة الفلسطينية، وكان جريئا جدا في خلافه مع الرئيس، كما كان ولا يزال واضحا في عدائه لعباس والحلقة الضيقة المحيطة به. ويتمتع دحلان بحضور فاعل في الضفة مثلما يتمتع بحضور كبير في قطاع غزة نتيجة مواقفه الواضحة في مواجهة حركة حماس. لكن الرجل مضطر للبقاء خارج فلسطين خشية اغتياله أو سجنه بقرارات قضائية مدفوعة برغبة الرئيس.

ومن الأسماء التي تم استبعادها جبريل الرجوب الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة، وهو الذي كان لا يخفي طموحه في الموقع الأول رغم أنه غادر جهاز الأمن الوقائي ليرأس اللجنة الأولومبية والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، لكن شعبيته هبطت تماما بعد سحبه مشروع قرار لطرد اسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" وتصريحاته المؤيدة للسويسري جوزيف بلاتر الذي خاض انتخابات رئيس "الفيفا" ضد المرشح العربي الأردني الأمير علي بن الحسين، وهناك من يقول إن عباس ورط جبريل في الموقفين. كما كان يطرح اسم توفيق الطيراوي الرجل القوي في الأمن الفلسطيني والذي كان رئيسا لجهاز المخابرات العامة، لكن نجم الطيراوي خفت كثيرا بعد أن ظل في الظل وبعيدا عن الاعلام فترة طويلة لأنه ليس من المقربين من الرئيس ولا من إطاره الضيق.

وتردد في الآونة الأخيرة اسم محمد اشتية المقرب من عباس، لكن قيادات فتحاوية كثيرة أبدت اعتراضها على ترشيحه بسبب صغر سنه مقارنة بشخصيات أخرى في فتح. كما تم تداول اسم نبيل شعث القيادي الفتحاوي المنحاز لعملية التسوية، لكنه لم يشر إلى رغبته في الرئاسة لا تصريحا ولا تلميحا، ويقول مقربون منها إنه متفاهم مع عباس على عدم الخوض في سباق خلافة الرئيس.

هناك أيضا أسماء مستقلين من خارج حركة فتح كرجل الأعمال منيب المصري الذي يحول تقدمه في السن دون إقناع الفلسطينيين بقدرته على رئاستهم، وسلام فياض رئيس الوزراء السابق الذي واجه ولا يزال يواجه اعتراضات فتحاوية كثيرة على تسلمه أي منصب قيادي.

في هذا المشهد تبدو طريق صائب عريقات سالكة إلى الرئاسة، ليس فقط لأنه خيار عباس، ولكن أيضاً لأن الولايات المتحدة ودولا كثيرة في المنطقة وفي العالم تريد استمرار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية مع بقاء الاحتلال.. إلى الأبد.

تعليق عبر الفيس بوك