الشورى والمواطنة المسؤولة

 

د. صالح الفهدي

 

في ظل النَّهج الرَّشيدِ للشُّورى، والسياسة الحكيمة لإشراك المواطن في العملية الشورية، تبرزُ المواطنة المسؤولة كأساسٍ مكينٍ عند كلّ استحقاقٍ انتخابي وطني. فالمواطن المسؤول هو ذلك الذي يعي أن تقدّم الوطن، وتنميته، وازدهاره لا يمكن أن يتم إلا وفق الكفاءة والأفضلية لمن يمثّله في مجلس الشورى. وحينما يضعُ المواطن الأمين المخلص الوطن في كفّة والاعتبارات الأُخرى في الكفّة الثانية فإن الرجحان لكفّة الوطن دون أدنى شك.

 

إن ممارسة المواطنة المسؤولة هي حقٌ من حقوق المواطن وهو ما يستوجبُ عليه أداؤه بالصورة المشرّفة له ولوطنه لأنّه مسؤول أمام الله عن كل اعتبارٍ وكل ترجيحٍ وكل اختيار كيف تم وعلى أيّ أساس..! لهذا فإنّ الوعي والتدبّر في مخرجات عملية الشورى وما تنتجُ عنه عاملٌ أساسي ليس على مستوى الأفراد الممثلين للشعب وإنما على مستوى مستقبل الوطن، وطريق تنميته، وسبل تطوره وتقدّمه. من هنا فإن المواطن المسؤول يجدُ نفسه مناط التكليف في هذه العملية فهو الذي يحدِّد مساراتها، وهو الذي يرسم اتجاهاتها بحسب المعايير التي يتّبعها، والاعتبارات التي تتوافق مع إداركه.

 

هذه المصالح لا بد وأن تكون عُليا ترتبطُ بالوطن، فإن تقلّصت لتصبحَ ذاتيةً كانت ضيّقة الغرض، آنية التحقق، وفردية النفع فهي على منوال قول الشاعر:

 

معللتي بالوصلِ والموت دونه .. إذا مت ظمآناً فلا نزلَ القطرُ

 

أمّا مصالح الوطن فهي الجامعة الشاملة التي لا يستقيمُ لها مسعى إلاّ في اتجاه المصلحة العامة وتلك تسيرُ وفق قول الشاعر:

 

فلا نزلت عليّ ولا بأرضي .. سحائبُ ليس تنتظمُ العبادا

 

وشتان بين المصلحتين..! تلك تنظرُ لخدمةِ فردٍ، وهذه تنظرُ لمصلحةِ أمّة..! من هنا يقاسُ الولاءُ وصدق الانتماء، وممارسة المواطنة في ميادين التطبيق العملي لها. الوطنُ ليس رهناً للمصالح الشخصية توجّهه حسب ما ترى، وإنّما هو رهن العطاء المخلص، والبذلُ الصادقُ الذي يرى في الشورى مِعبراً صحيحاً للتنمية، وجسراً وثيقاً للحفاظ على مكتسبات ومنجزات الوطن والإضافة إليها بما يُسهم في رفعة أدائها، وتنوعها، ومنافستها وخدماتها.

 

وإذا كانت عملية الديمقراطية في المجتمعات عملية تمرُّ على مراحل مختلفة فإنّ أساسها الوعي الثقافي الذي لا بد وأن يكون هو العامل الأساس الذي تقوم عليه، فلا يمكن أن تتجه أية عملية شورى في المجتمع إلى النضج والحنكة دون أن تعي الأسس الصحيحة والسليمة للقيمة الحقيقة للعملية نفسها وما تسفر عنه خياراتها من مخرجات وأثر ذلك على مستقبل الوطن. من هنا يبرزُ دور المواطن المسؤول لتفعيل حقّه الانتخابي بطريقة سليمة، ويمارسه بأعلى درجات النزاهة والشفافية والتجرّد من المصالح الذاتية.

 

وإذا كانت المواطنة في أساسها حقوقا وواجبات فإن ممارسة الحق الوطني من قبل المواطن هو طريقٌ لرفعة قدر المواطنة، والتعامل مع هذه القيمة السامية على أنها أساس الوطن، ومربط النَّماء فيه. وبناءً على ذلك فإنّ الاختيار السليم للعضو المنتخب هو أمرٌ لا يحتاجُ إلى جدلٍ في هذا الميدان.

 

فبقدر ما تكون المعايير رفيعةً في الاختيار ومتجرّدةً من الأهواءِ والنزعات الفردية بقدرِ ما تعلو المواطنة المسؤولة قدراً، وتسمو سلوكاً وتطبيقاً، وبقدرِ ما تفعّلُ الحقوق الوطنية بالصورة المُثلى بقدرِ ما تسفر نتائجها عن خدمةٍ سامية للوطن، وارتقاءٍ كريم بشأنهِ، وازدهارٍ عميم لربوعه، ونماءٍ جليلٍ لإنسانه.

 

إن استحقاق الشورى يعتبرُ لبِنةً من لبنات العمل الشوروى في السلطنة، ووفقاً لهذا التراكم المتصاعد من الخبرةِ والإدراك والوعي والمسؤولية فإن مقتضى الحال يستوجب التمعن في العلاقة البينية بين الشورى والمواطنة المسؤولة. علاقة يؤسسها ويدفعُ إلى تطويرها المواطن المسؤول الذي يضعُ وطنه فوق كل الاعتبارات.     

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك