النموذج العماني القريب منا جغرافيا البعيد عنا ذهنيا

عبد العزيز الخاطر
تمتد من مضيق هرمز إلى حدود حضرموت على شكل خاصرة للجزيرة العربية من مياه الخليج إلى بحر عمان امتدادا إلى بحر العرب، تقابلها من الجهة الأخرى اليمن بينما تمتد الجزيرة العربية من حدودهما إلى الشام والعراق شمالا، تسكن في هدوء لا يعكره إلا تصاريف الطقس من موسم إلى آخر، تنعم باستقرار تحسد عليه، تقف دائماً في المنتصف ولا تتحدث كثيرًا ولا تبحث عن الأضواء، لا يسرقها الوهج الإعلامي من موقعها وثقافتها وعاداتها، لا تدفعها السياسة إلى ردود الأفعال، لا يدفعها الاقتصاد إلى تبني الأجندات التربوية والاجتماعية المخالفة لتاريخها وطبيعة شعبها. لا يستهويها التغريب الثقافي، تتكسر على صخور مياهها الأجندات الطائفية . عندما تصلي في مساجدها فلا تكاد تفرق بين المصلين ومذاهبهم، رأيت بعض الفروق البسيطة للمذاهب في أداء الصلاة تجتمع في مسجد واحد، لكن لم ألمح مظهرًا ولا شعارًا ولا علمًا يدل على مذهب معين أو عقيدة معينة، تحدثت إلى بعض أبنائها فأجابوا: بأننا نعيش التسامح الديني كما في أزهى عصور الإسلام. بعد انفجار الخليج أو تفجره الذي نشهد اليوم إرهاصاته بوضوح، أصبح النموذج العماني ملفتًا للنظر وجديرًا بالمتابعة والملاحظة، من الكويت حتى عمان تعيش المنطقة توترا سياسيا طائفيا إخوانيا مشهودا، بينما تعيش بقية دول مجلس التعاون حالة من التوتر بنسبة أو بأخرى كما ذكرت، ينعم العضو السادس"عمان" في منظومة مجلس التعاون بحالة مثلى من الاستقرار في جميع الميادين نحمده ولا نحسده عليها. يجب أن ننتقل في متابعتنا من مواقفها السياسية المثيرة للجدل أحيانا، إلى دراسة رؤيتها الوجودية للأوضاع وللجغرافيا وللتاريخ وللدين . هل الإنسان العماني بطبيعته هو سر الاختلاف ؟ هل الجغرافيا القصية تجعلك ترى الأمور أكثر وضوحًا؟ هل هو التاريخ المختلف أم العقيدة المتسامحة؟ هل بعدها عن البداوة بمفهومها الصحراوي؟ هل طبيعتها الساحلية؟ نحن بحاجة إلى فهم أسباب التسامح والتعايش العماني؟ تذكر المصادر التاريخية أنه في عام 629م بعث الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه برسالة إلى ملكي عُمان عبد وجيفر ابني الجلندي يدعوهما للإسلام وبعد وفود متبادلة وبعد اقتناع وطواعية قبلا الدخول في الإسلام. وأثني الرسول على أهل عمان ومدحهم، حين بعث رجلاً إلى حي من أحياء العرب فسبوه وضربوه فلما رجع إليه وأخبره قال الرسول الأعظم"لو أنّ أهل عُمان أتيت لما سبوك ولا ضربوك" اليوم هناك اهتمام كبير بالنموذج العماني من جانب الغرب ليدرك سر اختلاف عمان وبعدها عن التطرف الطائفي الذي يعصف بالمنطقة حتى يكاد يأتي على وجودها كدول. ذكر أحد أعضاء الوفد الأمريكي الذي كان زائرًا لعمان مؤخرًا ضمن برنامج معرض رسالة الإسلام " أنّ الشيء الذي جذبني أن العمانيين يطبقون القرآن والسنة النبوية باعتدال بعيداً عن الغلو والتعصب، لقد قدمت إلى عمان من أجل التعمق في فهم الإسلام ومذاهبه. وقال أحد أعضاء وفد آخر قدم من ألمانيا لدراسة نموذج التعايش العماني "إن النموذج العماني يحتذى به في جميع الشعوب وإن حياة العمانيين تقوم على احترام البشرية والأديان" والجدير بالذكر أن أهم مجلة على مستوى العالم العربي فيما يتعلق بالتعايش تصدر من وزارة الأوقاف العمانية تحت مسمى"التفاهم "وحملت اسم "التسامح سابقًا" كذلك. فالنموذج العماني هو ما يمثل القوة الثقافية المستقبلية لمنطقة الخليج فلا يجب التفريط فيه دون الاستفادة منه، أرجو من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أن تخصص قسمًا أو إدارة لدراسة هذا النموذج بهدف تعميمه أو الاسترشاد بخطوات عمله التاريخية، حتى على الأقل يمكننا تفسير هذا الثبات العماني الواثق وسط الارتجاج والزعزعة التي تضرب بالمنطقة وتحيل المسلمين إلى جثث والمساجد إلى أطلال مهجورة أوثكنات بوليسية.
النموذج العماني معنا داخل قبة مجلس التعاون، لكنه ذهنياً هناك خارج القبة في رحاب الإنسانية الأوسع.

تعليق عبر الفيس بوك