على طاولة بن دارس (2)

سلطان بن خميس الخروصي

لا زلنا نرشفُ من معين كوكب القلم والتدوينالعماني للراحل (بن دارس)فنقرأ الزوايا المتباينة لمختلف القضاياالوطنية والعالمية، ونستمر في هذه السلسلة قراءة رؤيته الاقتصادية؛ حيث يعتبِرالاقتصاد بمثابة العمود الفقري للدولة الحديثة، والمظهر السيادي المستقل لمختلف المؤسسات العصرية في عالم يتنافس فيه الكبار، يطرح "بن دارس" مختلف الآراء حول الدَّين الحكومي فهناك من يراه أمرا ضروريا بل مما لابد منه خاصة وأن كافة دول العالم تسدينبشكل أو بآخر بما في ذلك الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (فيشكل سندات حكومية مثلا)،وآخرون يشددون على ضرورةأن يكون هناك سقف لهذا الدَّين ويجب ألا يتعدى نسبةمعينة من مجمل الناتج القومي، وبحسب الأرقام التي تنشرها وزارة التجارة والصناعةوكذلك بحسب الأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام عن قيام السلطنة بالاقتراض لهذاالمشروع أو ذاك فإنه يمكن القول متى كان هناك تخطيط استراتيجي مالي فإن الأمر يكونفي مساره الصحيح.

لكن الإيرادات التي تجنيها السلطنة والتي (تُوهِم)البعض خاصة مع نشرات وزارة التجارة والصناعةعبر زيادة مجمل الناتجالمحلي فإن تلك الإيرادات ليست ضمانا على قوة الاقتصاد؛ لأن المصدر الرئيسي والذييشكل أكثر من70% هو النفط إنما مصدر ناضب ومتقلِّب في نفس الوقت، ففي السنوات القليلة المنصرمة وصلت أسعار النفط أرقاما قياسية إلا أن التجربةالمريرة خاصة في العام 1986 قد بيَّنت هشاشة الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي، ولمن لا يتذكر ما حدث في تلك السنة فإن أسعار النفط انهارت لتصل إلى سبعة دولارات للبرميلالواحد، وهذا أدى بدوره إلى تصدّع في الاقتصاد العماني وحتى الرواتب الشهرية كانتتتأخر للموظفين، ونظرا لعدم وجود صندوق احتياطي عام للدولة في تلك الآونة؛ فقد كانالدَّين هو الحل الأقرب للخروج من تلك الأزمة التي كادت تعصف بالاقتصاد العماني،لدرجة أن قيمة الريال العماني مقارنة بالدولار الأمريكي قد تم تخفيضها بنسبة 10%.

ويتطرق "بن دارس" إلى القطاع الخاص كمساند وشريك أساسي في بناء الدولة، ويخص بالذكر في هذا الجانب الرواتب المتدنية للعاملين فيه مما يجعله بيئة طاردة إلا لأصحاب الشهادات؛ ويعلل ذلكبأن ثمة العديد من العوامل التي تساهم في ذلك الوضع السيئ لمستقبل الشبابخاصة بعد تشبُّع هذا القطاع الذي ماعاد يستوعب المزيد من الموظفين سوى عن طريقالتعمين أو الإحالة إلى التقاعد وتدخُّل (الواسطة) في ذلك أيضا في بعض الأحيان،ويتساءل "بن دارس" عن سيناريو مستقبل الشباب العمانيفي هذا القطاع في ظل رواتب متدنية خاصة أن أمورا مثل الأراضيوالبناء والنقل أصبحت غير متوفرة لهم وأنّالشريحة العظمىللمعينين(جُدُد)، وبحسب حديث وزير الشؤون الاجتماعيةالسابق فإنّ نسبة 80% من موظفي القطاع الخاص يحصلون على أجور تقل عن 200ريال وإن رفعت لتصل في العام 2015 لبعض المؤسسات الخاصة إلى 300 كحد أدنى،فكيف لهؤلاء الموظفين أن يحصلوا على أرض تصل قيمتها عشرات الآلاف ويشيِّدوامنازل لا يقل سعر بناء الطابق الأرضي عن ثلاثين ألف ريال؟

يُعرِّج "بن دارس" إلى التصريحات الرسمية التي تحدثت عن المخزون المهول لكميات الغاز الطبيعي في مختلف المواقع بالسلطنة، فيتساءل كيف يمكن التوافق بين تصريحات الحكومة بوجوداحتياطي للغاز بالترليونات المكعبة والتي تصل إلى أربعة ترليوناتوفي نفس الوقتنستورده من الخارج؟

ختامايستهجن "بن دارس" حديث بعض المسؤولين والمعوَّل عليهم تطوير الاقتصاد العماني حينما يُقارِن أعضاء مجلس الشورى أو بعض الكُتَّاب والباحثين الطفرة الاقتصادية بدول مجلس التعاون الخليجي بينما لا يزال اقتصادنا يمشي الهُوينا؟ فالمتعمِّق في دراسة المشهدين يجد ثمة أمور متشابهة وأخرىمختلفة بطبيعة الحال، ورغم أن اعتماد الدول الخليجية على النفط كمصدر رئيسي للدخلإلا أن التنوع في الدخل تميزت فيه بصورة خاصة كل من إمارة دبي ودولة الكويت وبنسبة تصل إلى %20و60% على التوالي من حيث الاعتماد على النفط فقط؛ وهذا يعني أنّ هناك مصادر دخلأخرى غالبيتها تمثلت في الاستثمارات العملاقة في مشاريع ضخمة يتم تمويلها عبر وسائلتمويل محلية وعالمية لكن مع وجود بيئة استثمارية خالية من البيروقراطية والأمورالإدارية التي لا تخدم الاقتصاد العام، فمثلا في (دبي) تذهب إلى شباك مركزي لحكومةدبي وتحصل على الموافقات من جهة واحدة (الأرض، والكهرباء، والماء، والسجل التجاري،والموافقات الأمنية) دون "مراكضة" هذه الجهة أو تلك، وفي هذا السياق يذكر "بن دارس" مشهدا حصل له فيقول: "أحد الإخوة سألني ماهي أطول عمارة في السلطنة؟ ومتى تّم إنشاء أحدث عمارة فيها؟ فأجبته أن عمارة"بيت عمان" هي الأطول لكنّها أيضا الأقدم، حيث لم نلاحظ بروز أية عمارة حديثةوبتصميم عصري رائع مؤخرًا بالسلطنة، فكل العمارات هي للتوسع الأفقي رغم محدوديةالأرض، أمّا التوسع الرأسي فليس له مكان سوى بضع العمارات التي لا يزيد ارتفاعها علىالعشرين طابقا.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك