أمين عام مكتب الإفتاء: الصوم فريضة عظيمة تلزم المسلم بالإمساك عن المعاصي والتقرب إلى الله

مسقط- أحمد الجرداني

قال سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الافتاء إن الصوم فريضة عظيمة فرضها الله على المسلمين وعلى أمم قبلهم، بهدف تحفيز المسلم على الامتناع عن المعاصي، ومساعدته على التقرب من الله.

وفرق السيابي في حوار بين الصوم من منظور لغوي والصوم من رؤية فقهية شرعية، وقال إنّ المعنى اللغوي يعني الإمساك عن شيء ما، فيما يتمثل المعنى الشرعي حول الإمساك عن أمور مخصوصة في زمن مخصوص.

** كيف يمكن التفريقبين التعريف اللغويللصياموالتعريف الشرعي له؟

يقول الله تعالى(ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، كتب بمعنى قرأ، ولكن ما هو هذا الصيام الذي فرض؟ لا شك أنّ هناك صيام لغوي حددته اللغة ومفاهيم اللغة وأساليب اللغة ليكون هذا التعريف او هذا الصيام اللغويهو الاطار الذي ينبني عليه الصيام الشرعي.

والصيام في اللغة هو الامساك أي الامتناع والكف، لأن الله حكى عن مريم عليها السلام حينما قالت كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم (إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا) أي أنّها نذرت أنها تمسك عن الكلامفلا تكلم في ذلك اليوم أي بشر سواء كان رجلاأو امرأة.

إذن هنا نذرت للرحمنصوما أي إمساك وامتناععن الكلام أي بالنسبة لمريم عليها السلام، الصوم هو الامتناع والكف؟

ومن ذلك جاءتأشعار العرب ولا بأس أن نملح الحديث بهذه القصة الأدبيةوبالأبيات الشعرية؛ ومنها ما جاء في شعر امرؤ القيس الكنديحين قال: "فدع ذا وسل همك بجرة** ذمول إذا صام النهار وهّجرا"، ففي هذه الأبيات يصف امرؤ القيس محبوبته فقد كان يذكرها في مطلع القصيدة بقوله: "سما لك شوق بعد ما كان أقصرا *** وحلت سليمى بطن قوفعرعرا// كنانية بانت وفي الصدر ودها ** مجاورة حسان والحي يعمرا". كما قال النابغة الذبياني في هذا المعنى: "خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجم"، وهنا النابغة الذبياني يصف الخيل الممسكة عن القتال والخيل التي تقاتل تحت العجاج.

أمّا الصيام اللغوي فهو الذي ينبني عليه الصيام الشرعي لذلك عندما عرف الصيام الشرعي بأنه هو الصيام المخصوص في زمن مخصوص عن أشياء مخصوصة، أي أن الصيام هو الإمساك لكن ما هو هذا الإمساك، فالسيدة مريم عليها السلام قالت (فلن أكلم اليوم انسيا) أي الإمساك والامتناع عن الكلام.

أما الإمساك المخصوص فهو الامتناع عن المفطرات (الأكل والشرب والجماع) لأن نفس الإنسان جبلت على هذه المفطرات بل هناك مفطرات أخرى ولكن هذه الثلاث هي الأساس.

فلذلك من أفطر بواحدة من هذه الأشياء الثلاثة ترتب عليه الكفارة وهي قضاء الصوم كما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء عند النبي صل الله عليه وسلم (أنه أفطر في رمضان فأمره أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً) على قدر ما يستطيع من ذلك وفي رواية أخرى(جاء إعرابي فقال هلكت، فقال ما أهلكك، قال وقعت على امرأتي في نهار رمضان فأمره الرسول عليه الصلاة والسلام ان يعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً)، وهناك اختلاف بين الفقهاء هل الكفارة على الترتيب أم على التخيير لأن الرواية المطلقة كانت على التخيير على قدر ما يستطيع من ذلك.

ورأىآخر على الترتيب فيكون، أولا العتق ثمّ الصوم ثم الإطعام حسب ما جاء في الحديث ففي هذه المسألة خلاف بين العلماء والمذاهب حتى في داخل المذهب الواحد موجود الخلاف في الكفارة.

فالشيخ نور الدين السالمي رحمه الله تعالى وفقَ بين الروايتين على أنه ممكن أن نقول قولا ثالثا وهو أن ترتيب الكفارة يكون في الإفطار بالجماع والتخيير في الإفطار في الشرب والأكل لأنّ التشديد فيالجماع أمرٌ معروف، لأنّه حتى الحج يفسد بالجماع، فالتشديد في الجماع لأنّه أمرٌ مقرر في الشرع، لأنّ هناك روايتان رواية مطلقة في الإفطار ورواية مقيّدة بالجماع ومن هنا نشأ الخلاف في الكفارة هل الترتيب أم التخيير.وهناك مفطرات كثيرة منها: الغيبة النميمة وغيرها من المعاصي وهي مختلف فيها.

** وما هو الزمن المخصوص للصيام، وكيف يتحدد؟

الزمن المخصوص هومن طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، أي بين طرفي النهار بين طلوع الشمس وغروبها، ويحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع، لكن هناك خلاف متى يبدأ الفجر. وقد قال الله تعالى: (وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، وهناك خلاف هل هو طلوع الفجر بنفسه محرم للأكل وسائر المفطرات أم أنه التبين من طلوع الفجر، لأنّ هناك حديث إذا سمعتم بلال فكلوا وإذا سمعتم ابن أم مكتوم فكفوا لأنّ بلالاً كان يؤذن بليل أي قبل الفجر، بينما ابن أم مكتوم أعمى ما كان يؤذن حتى يقال له أصبحت، كما جاء في بعض الروايات إذن فهنا الخلاف.

وقيل إن طلوع الفجر بنفسه ولو لم يتبين للصائم طلوع الفجر نفسه محرم للأكل، ومثال ذلكإذا طلع الفجر ولم يتبين له فأكل هل يجب عليه قضاء اليوم ام ليس عليه قضاء، ومن يقول إن التحريم مرتبط بالتبين من قبل الإنسان نفسه فهذا ليس عليه قضاء لأنّه لم يتبين له الفجر، لكن ويرى فريق آخر أن طلوع الفجر نفسه هو محرم سواء تبين له أم لم يتبين له؛ فهذا يجب عليه القضاء لذلك اليوم.ومن هنا نشأ الخلاف.

إذن الزمن المخصوص من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس كما جاء في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم"إذا أقبل الليل من هاهناأفطر الصائم وأدبر النهار من ها هنا أفطر الصائم أو لم يأكل"كلأ. فبغروب الشمس يباح الإفطار أي غروبها من الجهات الأربع.

** وما المقصود بالأشياء المخصوصة في الصيام؟

الأشياء المخصوصة هي جميع المفطرات التي سبق ذكرها من أكل وشرب وجماع، ولا يجوز للصائم الاتيان بها في الزمن المخصوص من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، وكذلك المفطرات الأخرى من المعاصي من غيبة ونميمة وكذب وكذلك المختلف فيها من المعاصي.

والصيام الشرعي انبنى على ذلك الصيام اللغويالذي هو إمساك مخصوص في زمن مخصوص عن أشياء مخصوصة وهذا هو الصيام اللغوي الذي ينبني عليه الصيام الشرعي.

تعليق عبر الفيس بوك