رقائق (11)

عبدالله الحجي

تتعدد أسباب الهلاك، ومسببات الرحيل عن دنيا الناس؛ لكنها تلتقي جميعها في نتيجة واحدة، ألا وهي نزع الروح من الجسد، فالله خلق الأسباب الموصلة إلى الفناء، فمنهم من تتكالب عليه الأمراض، وتهده الأسقام حتى تنخر قواه، وتهد بنيانه، لا يستطيع الصمود أمام طوفان أسقام البدن، وما هي إلا برهة، إلا ويصبح في عداد الأموات.

وآخر لحقته ضربة سيف، أو طعنة رمح، أو آلة حادة هشمت عظامة، ومزقت لحمه؛ فسال الدم، وسالت معه روحه. وفي زماننا المعيش وحاضرنا المعاصر عصفت بنا عواصف حوادث السير التي حوَّلت الطرق إلى أنهار تسيل، وأماكن زهق الأرواح، فقد يخرج الواحد من بيته سليما معافا، ولا يعود إليه إلا محمولا على الأكتاف، لا نَفَسَ له، ولا حراك.

وكم هي الحروب التي تفتك بالأنام فتكا، فتحيلهم إلى جثث هادمة، وأشلاء ممزعة؛ جرَّاء القصف والتدمير، والهدم والتخريب، فتحصد من الأنام العدد الكثير، والعَدَّ الغفير.

وكم زلزلة زلزلت الأرض زلزالها، أدت إلى تطاوح البنيان، وخراب العمران على رؤوس ساكنيه؛ فصاروا هم والتراب سواء، أو ينفجر بركان عارم ذو وهج لا يطاق، يسلخ جلود الأنام، ويشوي العظام، ويحيلها أثرا بعد عين.

ومهما تعددت الأسباب، وتباينت المسببات إلا أن جميعها مؤداها واحد، ألا وهو خلوص الجسد من الروح ومفارقته، الذي ما إن تغادره لا تعود إليه في هذه الدنيا الفانية.

ولا يعلم أحد كيف تكون نهايته، فذلك في علم الغيب الذي واراه الله عن عباده؛ ولكن ليسأل الله حسن الخاتمة، ولطفه حين لفظه أنفاسه الأخيرة، معلنا مغادرة الدنيا.

مَنْ لم يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرِه *** تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدُ

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة