لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق

 

هلال بن سالم الزيدي

يحثُ خُطاه إلى مسجدٍ أُسس على التقوى.. بعد أن أغتسل وتعطّر وارتدى أفضل الثياب .. فهاهو يُبكر ليذهب إلى صلاة الجمعة.. ففيها تعانق الروح قدسية الحياة.. فالتاجر يذر البيع.. والطفل يتمسك بيد أبيه ليدخل البوابةالأولى في فهم الدين ومرتكزات العقيدة.. الكل سواسية هنا في هذه البقعة الطاهرة.. لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.. النفوس تفهو إلى مغفرة من الله.. تتصافح الأكف متضرّعة إلى الله أن يبعد عنّا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. إنّه يوم مبارك وفي شهر فضيل.. فرائحة فم الصائم أطيب من المسك.. إنّه الإنسان خليفة الله في أرضه.. فصام وقام وتلا من الذكر واستقام.. ما أجمل هذه النفوس التي تلتقي تحت سقف الرحمات تسأل الله في أطهر البقاع.. وفي أأمن الأماكن.. أصوات المآذن تجهش بالدعاء والثناء والحمد لله عز ول .. إنّه يوم عيد المسلمين.. فالجميع يصطفون.. ويحاذون المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام.. ويسدون الفرج.. ويصلون صلاة مودع.. ما أجمل الحياة بهذه الأفواج التي تولي شطر أطهر بقعة في هذه الأرض.

مع زخم الحياة ومتغيرات النفوس واتساع الفجوة بين المسلمين أصبحنا نعيش بطائفية وتحزبية عمياء لا تعرف إلا القتل والذبح والتفجير.. لم نجتمع يوما إلا في مسجد أظلنا بظلال الرحمة والتوحيد لله سبحانه وتعالى.. فالتشرذم سيد الموقف وأعداء الإسلام يستهدفونا في عُقر دارنا.. عبر نفوس ضلت ضلالا مبينا .. فحادت عن الحق وتغطرست على الإنسانية.. فاستخدموهم ضد أصحابهم.. فعاثوا فسادا .. أعمالهم خرجت عن الملة الإسلامية.. فلا نجدها في الأثر ولا التاريخ الإسلامي الذي احترم العقائد وساوى بين المسلمين.. فالإسلام عندما قويت شوكته لم يقتل طفلا ولا شيخا ولا أمرأة ولا من يستجير بالمسلم .. فمن استجار بالمؤمن أُجير حتى بلغ مأمنه ومنها أُسمع كلام الله .. لكن المندسين وممن أغواهم الشيطان وأعوانه لم يفهموا الدين كما جاء في الدستور العظيم والسنة الشريفة.. فحادوا عن الحق فاستمسكوا بالطاغوت فكانت منهجيتهم التفريق بين المسلمين.

صوت الإمام يعلوفي خطبة الجمعة يحث المسلمين وممن يجتمعون في ذلك المسجد على استغلال شهر رمضان في العبادة والتلاوة..فالجميع يتضرّعون خفيّة ورهبة وطمعًا وخوفًا إلى الله الخالق المنان أن يتقبّل صيامهم وقيامهم.. والمسلمون يرددون خلف الإمام.. آمين آمين آمين يا رب العالمين.. روحانية وصفاء النفوس تسيطر على المشهد.. العيون تذرف الدموع خشية من الله.. حتى يصل الإمام إلى عبارة نهاية الخطبة.. "أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فأدعوه يستجب لكم.. أقم الصلاة.. تقام الصلاة..

هناك من يتربص بهذا الجمع.. يتستر بالإسلام.. يتجّهز ليبلغ هدفه.. لكنه جاهزيته تختلف.. فهو في غيّه يعمه.. فبدل أن يغتسل ويلبس أبهى الثياب.. تجده يضع المتفجرات ويلفها حول جسده الذي سيشهد عليه في اليوم العظيم.. عندما تقوم الناس لرب العالمين.. آه لهذا العقل.. نعم فهو ليس بعاقل ولا يمكن أن نطلق عليه بالمسلم.. فهو ضل وحاد عن الطريق .. يا لهذه النفوس التي لم تتدثر إلا بالدم وزهق الأرواح وتفتيت وحدة الصف.. فأي نية هذه؟ وأي عمل هذا ؟ من يُبيت نيته لقتل أناس عنت وجوههم للحي القيوم وفي يوم مبارك وفي شهر فضيل.. ياللخسران المبين.. أي خطوة هذه التي أقدم عليها؟ وأي دين هذا الذي يستند إليه.. أهكذا الشهادة؟

ما لي أرى البذرة تنمو وتترعرع في وطن مد يده لها.. وكساها وشد من أزرها وأحاطها بالأمان.. لتأتي وتتنكر لأهلها..أهكذا المروءة؟ فأين حب الأوطان ورد الجميل؟ شباب في ريعانهم يتجهون إلى طريق طالح يشمّتون أعداء الأمة علينا.. إنّه الإرهاب الذي تبرأ منه ديننا وتبرأت منه الإنسانية بمجملها.. ألا يتذكر أسرته وجيرانه..؟ ألا ليس له قلب يتبصر به وآذان يسمع بها.. إنه كالأنعام بل هو أضل..! أهذا هو العمل البطولي؟ الله أكبر.

في تلك اللحظة يكبّر الإمام ليركع فيندس ذلك المتخفي بين المصلين.. ويكبّر ليسجد المسلمون لمن شق البصر.. فهم يسبحون الله الأعلى .. أمام ذلك الشاب ينزع الحزام الناسف ليفجر ويقتل نفسه ونفوس تقربت إلى الله.. ما أجملها من خاتمة لهم، وما أسوأها من خاتمة له.. ماتوا وهم ساجدون صائمون.. فسيدخلون إلى الريان من أوسع أبوابه.. أما هو.. يعلم الله مصيره، ولكن وحسب الدين: فمن قتل نفسا بغير حق فجزاءه نارًا وساءت مصيرا.. تتناثر الجثث وتسيل الدماء.. ليفرح أولئك الشرذمة وأصحاب النفوس الضعيفة بنصرهم الذي اعتقدوا أنّه نصر.. فكم من أب ودّع زوجته على أمل أن يلتقي معها على مائدة الإفطار.. وكم من شيخ داس على شيخوخته ووهن عظامه واتجه لينال الثواب.. وكم من طفل أراد أن يتعلم الصلاة ويستشعر عظمة الإسلام عندما يقف بين يدي المنان.. لكن المشهد لم ينتهِ.. بالسلام.. فالصلاة هزها انفجار لا توجد فيه ذرة من الرحمة.. اللهم إنا نسألك أن توحد قلوبنا وترد كيد الكائدين في نحورهم.

هل استهداف المساجد من أجل تفريق المسلمين الذين دارت عليهم الدوائر هو آخر المطاف؟ لا ليس هكذا، فهناك من يخطط ويستخدم ضعاف النفوس لتنفيذ خططه.. علينا أن نعي ونلتفت لأنفسنا وديننا.. لأنّ المتربصين بنا شقوا صفوفنا.. فعلّموا أولادكم بأنّ للدين ضحايا، وعلّموا أبناءكم بأن الدين هو الإسلام المتأسس على السلام والرحمة.. وعلينا أن نبني خطابا دينيا متزنا، وعلينا ألا نربي أبناءنا على الفكر التكفيري.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنّه الغفور الرحيم..وادعوه يستجب لكم.. إنّه البر الكريم.. اللهم آمين.. ونعزي أنفسنا وأخوتنا في الكويت على ما أصابهم ونسأل الله أن يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. فياشباب الأمة : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

*كاتب ٌوإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

 

 

تعليق عبر الفيس بوك