البلسم الشافي7 (الجزء الثالث)

أ/حمد الحوسني *

أيُّها النجباء، ذكرنا فيما مَضَى مواقفَ العلماء المتباينة من وجود الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، حسبما جاء في كتاب "الدخيل في التفسير".

ودعونا نقف مع نماذج عابرة ذكرها الكتاب على وَجْه السرعة فيما دخل التفسير من الدخيل في التفسير العلمي (بتصرف): (جاء في قوله تعالى: "وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" (سبأ: 53). قال الدكتور صلاح الدين خطاب: يقذفُونَ بالغيب هي: المسرة والتليفون، والهاتف، والتليغراف، والتليفزيون، والراديو، يعني: يريد أن يقول: إن القرآن تنبَّأَ بوجود هذه الاختراعات الحديثة؛ مع أن التفسير الصحيح للآية، كما قال قتادة والصحابة والتابعون: إن الكفار يرجمون بالظن؛ لا بعث، ولا جنة، ولا نار، والقرآن يرد عليهم هذه الأكاذيب.

مثال آخر: هو قوله تبارك وتعالى: "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ" (الأنعام: 65). يقول صاحب كتاب "الجانب العلمي في القرآن" الدكتور صلاح الدين خطاب: إنَّ العذاب الذي وضعته الآية من فوقكم ينطبق على القنابل النازلة من الطائرات، ومن فوق الرؤوس، ومن الأعالي، وأما العذاب من تحت الأرجل؛ فإشارة إلى الألغام والغواصات التي تنصب في الأرض، أو في البحر؛ فيمرُّ عليها من مراد إهلاكه فتنفجر تحت رجله أو سيارته فتسبب له الهلاك.

ونحن نتساءل من أتى بهذه الأمور؟ وهل قدرة البشر تساوي قدرة الله سبحانه وتعالى؟! ألم يقرأ قوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت" (الحج: 1-2) الآيات... إلى آخره.

وأيضًا يقولون في مثال ثالث في قوله: "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ" (يونس: 24). يقول: هذا إشارة إلى صنع القنابل الذرية التي تخرِّبُ العالم. وعجبًا لهذا الكلام!! فالقرآن الكريم أعم، وأعظم، وأكبر من تفسيراتهم المحدودة في مثل هذا القول.

وننتقل إلى نماذج أخرى نختتم بها ما دخل كتب التفسير من الدخيل من التفسير العلمي:

فهناك -أيضًا- الحقائق العلمية التي بهرت كثيرًا من الناس؛ فنسبوا إليها خرافات ونسبوها إلى الآيات، بعض العلماء بُهِرَ بالاكتشافات العلمية، فراحوا يتكلمون ويربطون بينها وبين آيات القرآن الكريم، حتى نسبوا خرافاتٍ علمية إلى الإسلام، وشككوا بذلك في عصمة النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ما ينطق عن الهوى، بحجة العلم والمعرفة، ولو أن المرويات صحت أسانيدها ربما كان للمتمسكين بها بعض العذر، أما وهي ضعيفة السند، فلا قدر لها.

والشيخ أبو شهبة صاحب كتاب "الإسرائيليات والموضوعات في التفسير" يقول: وأحب أن أقول: إنَّ معظم هذا الذي يروى في الأمور الكونية تخالف مخالفة ظاهرة المقررات والحقائق العلمية التي أصبحت في حكم البدهيات والمسلمات؛ ككروية الأرض ودورانها، وحدوث الخسوف والكسوف، ونحو ذلك، وهذا الكلام الذي قالوه يتناقض مع الحقائق.

ذكروا لكسوف الشمس وخسوف القمر أشياء كثيرة؛ منها ما هو صحيح، ومنها ما ليس كذلك، لكن نسبة ذلك إلى كتب التفسير والقرآن هذا كلام يحتاج إلى مراجعة، وهناك لا يزال البعض في عصرنا ينكر كروية الأرض ودورانها، وأسباب حدوث هذه الظواهر، ويتكلمون عن الخسوف، والكسوف، والرعد، والبرق، والصواعق، وقانون الجاذبية، ونحو ذلك بكلام لا يقبل عقلا.

ولهم -أيضا- كلام في عمر الدنيا؛ فقد ذكروا في عمر الدنيا أنه سبعة آلاف سنة؛ وأن النبي محمد بعث في آخر السادسة، وحكم ابن الجوزي على كلامهم هذا بأنه كلام موضوع، لا يُقبل. وللموضوع تتمة بمشيئة الله تعالى.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس).

تعليق عبر الفيس بوك