البلسم الشافي (الجزء الثالث) 4

أ/ حمد بن عبد الله بن محمد الحوسني

(4)

أيها الفضلاء، حري بنا أن نقف كثيرا مع قضية (الإعجاز العلمي في القرآن الكريم)، وأن نستعرض مواقف العلماء والباحثين تجاهها؛ لأن من الناس من أفرط، ومنهم من فرّط فيها، ولندرك أبعادها المختلفة، ولنتعرف كذلك على بعض الاشتراطات لها من وجهات النظر المختلفة لمن قال بوجودها وأقر بورودها في القرآن المجيد، ولننتبه لبعض الجوانب الدقيقة المتعلقة بها؛ والتي يناقش كل عالم وباحث ويركز على مجموعة منها؛ بناء على اهتمامه وتخصصه ودرجة تمكنه واطلاعه.

مع ملاحظة أن إيرادنا لكلام أحد لا يعني موافقتنا على كل ما يقول.

وسنستعرض - بمشيئة الله تعالى- خلال هذا اللقاء وخلال لقاءات قادمة ما جاء في كتاب (الدخيل في التفسير)؛ والذي نشرته جامعة المدينة العالمية.

ورد فيه تحت عنوان "الدخيل عن طريق التفسير العلمي" (بشيء من التصرف): (ننتقل بعد ذلك إلى النوع الأخير من الدخيل في التفسير العلمي: والدخيل عن طريق التفسير العلمي كثر وانتشر في الآونة الأخيرة، فما معنى التفسير العلمي؟ وما المبادئ والحقائق التي ينبغي مراعاتها عند التفسير العلمي؟ وما هي آراء العلماء حول التفسير العلمي؟

التفسير العلمي: هو الذي يبين الآيات القرآنية الواردة في شأن الآفاق والأنفس، وانطلقوا من قوله -تبارك وتعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت: 53)، انطلق لفيف من العلماء حول المكتشفات العلمية في الآفاق والأنفس؛ فحملوا كثيرا من الآيات، وفسروها بمكتشفات العلم الحديث، أولًا: هناك حقائق وقواعد لا بد من مراعاتها عند التفسير العلمي.

أولًا: العلم الذي يدعو إليه الإسلام هو العلم الذي يهدي الإنسان إلى هدايته، وحسن مآله وحسن حاله في الدنيا والآخرة.

ثانيًا: إن القرآن الكريم أفاض في الحديث عن الكون، ولفت أنظار العلماء إلى آيات القدرة، وآيات الإبداع في هذا الكون التي توصل إلى توحيد الله تعالى.

ثالثًا: إن إعجاز القرآن لا يتوقف بحال من الأحوال على موافقة الاكتشافات العلمية الحديثة لبعض آيات القرآن؛ فإعجاز القرآن ثابت بوجوه لا حصر لها من قبل أن تتبين هذه الاكتشافات العلمية، وإن كنا نرى أنه إذا تم اكتشاف حقيقة علمية يقينية ثابتة أشارت إليها الآيات، هذا نوع من الإعجاز، ربما يتلاءم مع العصور التي تكتشفه، وبما أن القرآن هو معجزة الله الخالدة الباقية إلى قيام الساعة؛ فإنه قد حوى أنواعًا من الإعجاز تناسب كل العصور وكل البلاد إلى قيام الساعة.

رابعًا: يستحيل أن توجد حقيقة علمية ثابتة يقينية تتناقض مع القرآن الكريم؛ لأن خالق الكون هو الله، ومنزل القرآن هو الله؛ فمحال أن يتناقض هذا مع ذاك.

خامسًا: القرآن غني عن العلوم الحديثة للتدليل على صحته، بينما العلوم الحديثة هي التي تحتاج للتدليل على صحتها، وبالتالي ليس من العدل أن نحاكم قول الله إلى أقوال الناس.

سادسًا: الحقيقة العلمية شيء، والتعسف في تفسير القرآن بها وحمله عليها شيء آخر، فليس ضروريا أن نحمل كل حقيقة علمية، ونتكلف أن نحمل النص عليها، ونؤوله بها، أو نلوي عنق الآيات، والعبارات ليا؛ لنقول: إن القرآن قد سبق العلم الحديث.

سابعًا: يجب علينا أن ننظر إلى القرآن على أن كل ما فيه حقائق، فما وافقه من الاكتشافات الحديثة على وجه القطع واليقين قبلناه، وإلا فإن النظريات تخضع للتجربة والتمحيص، وقد تصدق اليوم وتنتفي غدا؛ فالقرآن هو كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ثامنًا: يجب مراعاة معاني المفردات على النحو الذي كان مستعملًا في أثناء نزول القرآن، والحظر مما طرأ عليها من تطور بعد القرون الأولى).

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)

تعليق عبر الفيس بوك