بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ

بدر العبري

يقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).

يحدثنا الله تعالى في الآية عن نعمته لقوم سبأ باليمن، وقد منّ الله تعالى عليهم بجنتين، يتلذذون بهما، ويأكلون من رزق الله فيهما، ويشربون من الماء العذب الزلال الذي يجري في هاتين الجنتين، وفوق هذا يتمتعون بنعمة الأمن والأمان، والسكينة والاطمئنان، ينتقلون من مكان لآخر بلا خوف يكدرهم، فبالأمن تختصر الطرق، وإن ظنها الناس بعيدة، وذلك لأنّ القرى على الطريق كثرت، والناس كثروا، فاختصرت الطريق على بعدها.

فعلى أهل سبأ أن يشكروا الله على هذه النعمة، ولا يقابلوها بالكفران والعصيان، ولا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وإن وقعوا في الذنوب فعليهم التوبة والإنابة، قبل نزول العذاب من صاحب الجلالة سبحانه، فالله عما ارتكبوا من الذنوب غفور رحيم، فسبأ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ.

ولكن انظروا بماذا قابل أهل سبأ هذه النعم، جعلوها للأسف طريقا لمعصية الله تعالى، فلم يراعوا حدود الله، ولم يقفوا مع آياته سبحانه، وقد جاءهم النذير بعد النذير، ولكنهم صموا وعموا، فكانت النتيجة من قبله سبحانه: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ)، فأرسل الله إليهم سيل الْعَرِمِ أي المدمر، فدمر بساتينهم وجنانهم، وحولها إلى بساتين تحتوى على الأشجار غير النافعة، والتي تثمر الثمر المر، وجعل أفضل أشجارهم السدر، ومع ضعف قيمته إلا أنه مع ذلك جعله قليلا جدا.

ومع كثرتهم وتوحدهم وتعدد قراهم، إلا أنهم بسبب كفرهم مزقهم الله سبحانه وتعالى، وأبدل أمنهم خوفا، ووحدتهم فرقة، وعزهم ذلا، قال تعالى: (فجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).

وقد بين الله تعالى سبب إنزال العقاب عليهم، حتى يكون عبرة لغيرهم، فين أنّ سبب العقاب الإلهي كان لأمرين: الأمر الأول كفرهم بنعم الله، وجعلها في معصية الله تعالى، (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).

الأمر الثاني اتباعهم الشيطان، وعصيانهم لأوامر الرحمن، والاستخفاف بحدود الله تعالى، (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

ونحن كذلك معاشر المؤمنين، أمام هذا القانون الإلهي سواء، فاليوم نتمتع بنعم عظيمة، الطعام بكافة أنواعه يصل إلينا من كل مكان، ونتنقل من مكان لمكان بكل سهولة ويسر، فإن كفرنا بنعمة الله، واتبعنا الشيطان اللعين، وتجاوزنا حدود الله تعالى، كان العقاب الإلهي، فليس لنا عصمة إلا الإيمان والعمل الصالح، وعدم الإفساد في الأرض، قال تعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ).

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة