التبرُّعات في رمضان

علي المطاعني

بحلول شهر رمضان الكريم، تبدأ حالة أشبه بالهستيريا نحو التبرُّعات وتوزيع الصدقات والزكاة والقيام بأعمال تطوعية واسعة في البلاد من كافة الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال؛ فالكل يسعى لعمل الخير، وكأنَّ هذه الأعمال لا تتحقَّق إلا في شهر رمضان المبارك فقط، وتبقى بقية شهور السنة لا يجوز فيها التصدُّق والأعمال التطوعية. وينقلب البلد في هذا الشهر كأنه في حالة طوارئ من زيادة حالات التبرع أو كأنها أعمال إغاثة في ظروف استثنائية كالأنواء المناخية -والله يحفظ بلادنا- حيث تُستنفر كل الطاقات والجهود من هنا وهناك، وتصور المجتمع في حالة غير لائقة وكأنه معوز ومعدم للأسف من كثرة حالات التبرع وأشكالها غير المناسبة التي توزع بها؛ الأمر الذي يجب معه ضبط هذا الاستهلاك بشكل يتناسب مع تقديم الأعمال الخيرية تارة، ويتوافق مع التعاليم الإسلامية تارة أخرى، ويتفق أيضا مع الأعراف والأصول في تقديم الأعمال الخيرية والتطوعية، وتوجيهها إلى القنوات الرسمية للتبرع التي هُيِّأت لكل هذه الأعمال.

فبلا شك، نستبشر بقدوم شهر رمضان المبارك كأفضل الشهور في السنة الهجرية، ولا نختلف بأنه شهر الخير والبركة ومراجعة الذات، وصفاء النفوس، لكن ما نشهده من ممارسات في توزيع الأعمال الخيرية وأساليبها شيء يدعو للأسف والأسى، وفي كيفية توزيع الطرود للمواد الغذائية وسلات التغذية كما يطلق عليها، وتوزيع الشيكات بشكل مقزّز يظهر المجتمع أو إحدى فئاته مثل الجمعيات الخيرية والتطوعية في حالة مزرية وتصورهم في حالة المعوزين، هذه الأساليب تتنافى مع القيم الاسلامية التي تحث على إخفاء أسلوب التبرع؛ من ذلك ما ورد في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السبعة الذين يظلهم الله في ظل يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، وقال الحق تبارك وتعالى: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ".

هناك سوء فهم بأن الأعمال الخيرية والتطوعية والتبرعات في شهر رمضان فقط؛ لذلك فإن الكثير يركزون على هذه الأعمال في هذا الشهر المبارك، في حين أن أعمال الخير تكون في كل شهور السنة وكل الأيام؛ فالحاجة المجتمعية ليست في شهر يكون فيه الناس صياما أغلب الوقت، وإنما في بقية الأشهر التي يكون فيها الناس ليسوا صائمين وبالتالي يستهلكون طبعا الكثير من الأكل والشرب، فلماذا نحصر العمل الخيري في شهر رمضان وهو شهر الصوم.

... إنَّ وجود هيئات لإدارة العمل الخيري في السلطنة ذو مغزى للذين لديهم تبرعات للمجتمع، ومن خلالها توزع على المحتاجين وفق اعتبارات تملي على هذه المؤسسات مساعدة شرائح معينة في المجتمع، فأي مساعدات وبرامج لا بد أن توجه إلى هذه الهيئات بدلا من التوزيع بشكل عشوائي يهدف إلى إظهار ما قدمه هذا وذاك للمجتمع، وهي منافية للأعراف والمثل المجتمعية، ولدى الهيئة العمانية للأعمال الخيرية برامج كثيرة، من بينها إفطار صائم وكفالة يتيم وتبرعات بأشكالها وأنواعها، فعلى المقتدرين توجيه مساعداتهم وتبرعاتهم لهذه الهيئات فهي القنوات الرسمية التي يتاح لها أن تدير هذه الأمور؛ وبالتالي ليس هناك داعٍ إلى الأضواء من خلال ما نشهده من حالات تعرية للمجتمع في هذا الشهر الفضيل.

وبالطبع، الأعمال الخيرية مطلوبة ولها دلالات في إشاعة الألفة والمحبة في المجتمع، وإظهار التكافل والتآزر، لكن لا بد أن تكون الطريقة مناسبة في التبرع، ولا نظهر المجتمع في حالة مزرية.

... نأمل من الجهات المختصة تنظيم مثل هذه التبرعات بشكل تؤدي دورها، ولا تؤذي الآخرين واستغلال حاجة بعض الفئات في المجتمع وتصويرها بصور شنيعة لا تمت حتى بحالاتهم الحقيقية، والتوعية بكيفية التبرع وأهميته، وكذلك على الجهات والشركات والمؤسسات ورجال الأعمال التعقل في التبرع بصور غير إيجابية؛ فالمسؤولية الاجتماعية لا تمارس هكذا، وخدمة المجتمع ما هكذا تؤدَّى.

تعليق عبر الفيس بوك