الهويَّة الثقافيَّة

إيمان بنت الصافي الحريبي

الهوية الثقافية من أهم السمات المميزة للمجتمع؛ فهي تجسِّد الطموحات المستقبلية في المجتمع، وتبرز بعضا من معالم التطور في سلوك الأفراد وإنجازاتهم في المجالات المختلفة، بل يمكن أن تعكس الهوية الثقافية كذلك المبادئ والقيم التي تدفع الإنسان إلى تحقيق غايات معينة. وعلى ضوء ذلك؛ فالهوية الثقافية لمجتمع ما لابد أن تستند إلى أصول تستمد منها قوتها، وإلى معايير قيمية ومبادئ أخلاقية وضوابط اجتماعية وغايات سامية تجعلها مركزا للاستقطاب العالمي والإنساني. وهنا، نُشير إلى الهوية الثقافية للسلطنة والتي تنبع من جذور متأصلة تتناقلها الأجيال المختلفة ويتغذَّى عليها الأبناء مُنذ نعومة الأظافر فيما يرونه من سلوكيات وعادات وتقاليد وتراث وقيم عمانية أصيلة تكاد تكون هي القالب الأساسي في تشكيل الشخصية العمانية.

ولا تكتمل الهوية الثقافية ولا تبرز خصوصيتها، ولا تغدو هوية مُمتلئة قادرة علي نشدان العالمية، إلا إذا تجسَّدت مرجعتيها في كيان تتطابق فيه عنصرين؛ الأول: الوطن؛ ويتمثل ذلك في الجغرافية والتاريخ، وعمان بلد يتميَّز بالجغرافية المتنوعة والتاريخ الغني يتمثل في سيادة البحار وتاريخ بطولات وانتصارات هي قوام النهضة العمانية المباركة. والعنصر الثاني: الدولة؛ متمثلة في التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، والأمة النسيج الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة وهذا هو مقصد هذا المقال. والذي أود من خلاله أن أؤكد على أهمية الهوية الثقافية كحجر زاوية في تكوين الأمم؛ باعتبار أنَّ هذه الهوية هي نتيجة تراكم تاريخي طويل، فلا يُمكن تحقيق الوحدة الثقافية بمجرد قرار، حتى لو توفَّرت الإرادة السياسية، بل هذه الهوية هي محصلة تاريخ طويل ورصيد غني وحافل بالشواهد التاريخية والتراثية.

... إنَّ من أبرز الدوافع نحو تأكيد الهوية الوطنية والعربية والإسلامية ما يشهده عالم اليوم المتغير في كثير من أحداثه، والمتمثل في الانفتاح والنمو والتقدم التكنولوجي الذي ربما يكون له تأثيراته علي الهوية الثقافية للمجتمع؛ فهذا هو التمايز والخصوصية اللذان تزخر بهما بلادنا الحبيبة، وننشدهما على الدوم، وهما ما أشرت (في أكثر من موضع) إلى أنهما من أحد الأسباب التي تفتح لنا بابا نحو العالمية بنكهة خاصة تميزنا؛ فالخصوصية لا تُستعار بل تورَّث للوطن فهي هوية تكون ثقافة تعبر عن حدث ما وفعل ما ومناسبة ما، كما هي فنوننا وتراثنا العماني الخالد.

... إن تركيزنا واهتمامنا وبحثنا سيكون عن كل ما هو مميز -سواء الإنسان أو المكان- في ملامحنا العمانية، وتراثنا، وأزيائنا ومقتنياتنا؛ كلها بالتأكيد لوحات باهرة متميزة بحاجة إلى الحفاظ عليها وتأصيلها وتوثيقها محليا وعالميا حتى تكون مرجعا أصيلا ورصينا يضاف لسجلات المجد العمانية، وعلينا أن نلتفت بشكل جدِّيّ إلى مسألة تكوين محمية تراثية للفنون والتراث كمواد حقيقية قائمة شيدتها في الماضي سواعد الأجداد.

ولاشك أنَّ تطبيق مثل هذه الرؤية سيكون رافدا أساسيا للسياحة الثقافية التاريخية، ناهيك عمَّا تمثله من حماية للتراث وما يحتويه هذا التراث الأصيل، فضلا عن أنه سيكون تجربة رائدة في المنطقة ولكل من يزوره؛ فهذا التمايز التراثي العماني هو القالب الذي سيجذب السائح ويثري تجربته ويخلق تنوعا في الخيارات السياحية المتوفرة للسائح والزائر الذي سيغدو شاهد عيان يحمل معه سجلا حول ما شاهد من تاريخ زاخر وتراث عريق بجانب وروعة الزمان الذي عاشه العمانيون، وسيسجل كذلك انبهاره بحرص الأبناء أن يروا قصص التراث بروح الواقع، وهذا نمط سياحي مرشح للرواج والقبول فهو زاخر ومتأصل في أغلب ولايات عمان الحبيبة وسيجد زخما واقبالا كبيرة فالتاريخ العريق الذي تزخر به هذه البلد الغالية، جدير بأن يكون سيرة عطرة يتناقلها الأبناء والاجيال، يسردونها بكل اللغات لمن يزور هذا البلد.

وأقف في ختام هذا المقال لأسجل شكري وتقديري لبرنامج "مخطوطات مهاجرة"، الذي يُعرض حاليا على شاشة تليفزيون السلطنة، ويعبِّر من خلال مضمونه عن تاريخ مشرق للسلطنة، يتواجد لدى كبريات المكتبات العالمية.. جدير بأن نرى من مثله الكثير بطرح ثقافي مغاير يروي تاريخ وثقافة هذه الأرض الطيبة؛ فتحية لفريق العمل، وتحية مثلها للهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون على ما توليه من اهتمام دائم بالمشهد الثقافي، وكل مايثريه من مواد وبرامج.

تعليق عبر الفيس بوك