البلسم الشافي (الجزء الثالث)

حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني

أيها النبلاء، جميل أن نعرض رأي إمام المفسرين سماحة الشيخ الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة حول القضية التي كنا نتكلم عنها في مجموعة من لقاءات سابقة؛ والمتعلقة بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم.

يقول -حفظه الله- في الجزء الأول من كتابه (جواهر التفسير) عند حديثه عن الإعجاز العلمي كنوع من أنواع إعجاز القرآن الكريم (بتصرف بسيط): (القرآن يخاطب العقل في كل العصور:

القرآن الكريم صراط هداية، وكتاب دعوة، ومنهج حياة، لم ينزله الله -سبحانه- لبحث دقائق علم الطب أو الفلك أو غيرهما، وإنما أنزله ليكون نورا يضيء للإنسانية طريق حياتها، ويبصرها بما يضرها وما ينفعها. غير أن الإنسان هو جزء من الموجودات في هذا الكون، المربوط كله برباط وثيق، لأنه في الحقيقة هو المحور الذي تدور عليه رحاه، والكون كله صفحات مهيأة لدراسة الإنسان، كل سطر من سطورها حافل بما لا يحصى عددا من آيات الله الشاهدة على وجوده، الناطقة بتسبيحه وحمده. فلا يكاد اللبيب الموفق يفتح عينيه على شيء يتلوه من هذه السطور حتى يمتلئ قلبه إيمانا بمبدع الكون، الذي تسبح بحمده كل ذرة في هذا الوجود، وتسجد خاضعة لجلاله وكبريائه، فلا يجد اللبيب الموفق مناصا من التجارب مع ذرات الكون في تسبيحها، والتفاعل معها في سجودها لله، وانقيادها لأمره، ولا يشذ عن ذلك إلا من تكدرت فطرته، وتعفنت طبيعته؛ فأظلم عقله، وحار فكره؛ بسبب هذا كله جاء القرآن الكريم ليفتح عيني الإنسان على صفحات هذا الكون الواسع، ويأخذ بيده ليطوف به في معارض هذا الوجود. وكثيرا ما كان في ذلك يُبصر الإنسان بما لم تنفتح عليه عيناه من قبل من حقائق كونية شاء الله -سبحانه- ألا تخرج للناس من طوايا الخفاء إلا بعد أزمنة متطاولة من نزول الكتاب؛ سواء كانت هذه الحقائق في ذات الإنسان نفسه، أم في الأرض التي جعلها الله مهده ومرتعه، أم في سائر الأجرام التي ترتبط بها الأرض بسنة الجاذبية، أم في الفضاء السحيق، الذي تسبح في خضمه الهائل هذه الأجرام دون أن يحدث أي صدام بينها، أو خلل في سيرها).

ثم يواصل سماحته الحديث بأسلوبه البياني الآسر قائلا:

(واكتشاف الإنسان لهذه الحقائق إنما هو اكتشاف لنوع آخر من إعجاز القرآن، الذي تحدث عنها قبل تصور الإنسان لها بأكثر من عشرة قرون، ولكن بما أن القرآن هو خطاب الغيب الموجه إلى الدهر كله لا يتصادم في أخباره مع عقلية أي عصر من عصور هذا الدهر، فكل عصر يفهم من لغته بقدر اتساع آفاق علمه، وهذا من إعجاز بيانه، ولا يكاد التطور العلمي يتمخض عن حقيقة انطوى عليها سر الوجود إلا وتجد القرآن الكريم إما دالا عليها بوضوح عبارته أو يومئ إليها بمجمل إشارته.

وقد وعد الله -سبحانه- بتجلية هذه الحقائق للناس؛ لتستبين لهم حجة القرآن الذي دل عليها، أو أشار إليها، وليعلموا أنه من عند الله -تعالى-: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد. سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت/53، 54).

ولعمري ما أبين دلالة هذه الآيات على ما اكتشفه الناس في أنفسهم وفي الكون من حولهم من نواميس الخلق، وأسرار الوجود، التي يعد كل فرد منها شاهد صدق على إعجاز القرآن؛ فلا يبقى معه مجال للشك). ولكلامه تتمة إن شاء الله.

 

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)

 

تعليق عبر الفيس بوك