عبد الله الحجي
مَنْ كان نفعه أعظم، كان موته أشد وقعاً، وأعظم أثرًا، فموت العالم أشد وقعاً من موت الجاهل، فمن كان منبر علم، ونبراس هداية، وداعية خير، كان بمثابة الكعبة التي يقصدها الحجاج والمعتمرون، فكم مُشكلٍ أزاله، وكم معضلٍ حله، وكم مسألة بسط فيها جوابه؛ فارتاح الناس بوجوده، وسعدوا بقدومه، ألا أنه حين يرحل عنهم من هذه الدنيا، فإن لوعة تضطرم في الفؤاد، وحسرة يُرزأ بها العباد على فقده، فكان رحيله مأسوفا عليه.
وموت الغني الذي ينفق ماله ليلا ونهارا؛ ابتغاء مرضات الله، أعظم إيلاما من موت الفقير الذي لا يكاد يجد قوت يومه، فكم من مشاريع خيرية قامت على أكتاف أهل الخير، وكم من نفع عمَّ البلاد والعباد بجود أهل الجود؛ إذ تنغلق بفقد هؤلاء أبواب من الخير وأبواب.
وفناء المصلح الاجتماعي لهو أليم شديد على البرايا؛ إذ كان ينشر الود والوئام، والسعادة والسلام بين بني البشر، فكم أصلح الله به الخصومات، وأمات بسببه العداوات، فما إن يذاع خبر وفاته، إلا وتنحني الرؤوس حزنا على فراقه، وحسرة وأسى على بعده ورحيله.
فليعمل العاقل الخير في دنياه، وليكن نافعا لنفسه أولا، وباذلا جوده لغيره ثانيا، يُسدي المنافع فوق المنافع إلى عباد الله؛ ليكن خير الناس، فقد قال الحبيب المصطفى والنبي المجتبى - صلى الله عليه وسلم -:" خير الناس أنفعهم للناس".
إذا ما ماتَ ذو علمٍ وتقوى **** فقد ثُلِمتْ من الإسلامِ ثُلمَةْ
وموتُ العابدِ القوّامِ هدمٌ *** فكمْ شهدَت له بالليلِ ظُلمةْ
وموتُ الحاكمِ العدلِ المُولَّى *** فإن بقاءَه خصبٌ ونعمةْ
وموتُ الفارسِ الضرغامِ هزمٌ *** فكمْ شهدَت له بالنصرِ عَزمةْ
وموتُ فتى كثيرِ الجودِ محقٌ *** فإنَّ بقاءَه خصبٌ ومنةْ