تساؤلات قديمة

مريم العدويَّة

"يتمتع كل أجنبي موجود في السلطنة بصفة قانونية بحماية شخصه وأملاكه طبقاً للقانون، وعليه مراعاة قيم المجتمع واحترام تقاليده ومشاعره" (النظام الأساسي للدولة، المادة 35، المرسوم السلطاني رقم 99/2011).

أحداث كثيرة تلك التي نصطدم بها يومياً في حياتنا، ترحل بعدها وتُبقي في داخلنا الكثير من التساؤلات.

كان الجو معتدلاً في ذلك المساء، حيثُ الشمس تأذن بالمغيب، وعين غروبها الساحرة تُذكر بأبيات خليل مطران القائلة:

والشمس في شفق يسيل نضارهُ

فوق العقيق على ذرى سوداء

مرت خلال غمامتين تحدرا

وتقطرت كالدمعة الحمراء

فكأن آخر دمعة للكون قد

مزجت بآخر أدمعي لرثائي

وفجأة هكذا، ودون سابق إنذار، حال دون المشهد الشاعريّ وصديقنا، مشهد قديم، حيثُ إحدى الشقراوات تنزل إلى البحر بملابس السباحة التي بالكاد تغطي عورة المرء!

وقبل أن يستشاط صديقنا غضباً ويبدأ بتساؤلاته، على صوت المنابر المجاورة يصدح بأذان المغرب.

يبدو لنا في كثير من الأحيان أننا نعيش في تناقضات عدة أو قل بالأحرى من الشيزوفرينيا؛ حيثُ الممنوع ليس ممنوعاً دائماً أو حتماً أو ربما أو شيء من هذا القبيل! وقعت الأحداث السابقة قبل شهر رمضان المبارك بيوم واحد على أحد شواطئ السلطنة، والسؤال هنا: إذا كانت الصديقة الشقراء لا تعلم أن فعلها مخالف للقانون العام للبلاد وصديقنا المواطن يستشاط غضباً ولكن في المقابل هو ليس مخولاً أبداً ولا بأي شكل من الأشكال للتدخل، إذن من المسؤول؟ وكم تبلغ قيمة لافتة صغيرة باللغتين توضح بعض المحاذير لمرتادي الشواطئ حتى تتقاعس الدوائر الحكومية المنوطة بالأمر عن إنجاز هذه المهمة الصعبة؟!

قبل عدة أشهر، تعرَّضت إحدى المواطنات الغيورات في إحدى الدول المجاورة، لأخرى معروفة إعلامياً في مجال التمثيل والرقص؛ وذلك لأن الثانية لم تلتزم بقواعد اللباس، حيث يُحكى أنها قامت بالخروج من غرفة تجربة الملابس في أحد المحلات إلى مكان عرض الملابس بملابسها الداخلية، متجاهلة وجود الباعة والمشترين من الجنسين.

ومثل هذه القضية التي تُعتبر قضية رأي عام؛ حيثُ إنها تمس كل شرائح المجتمع، وتوغل بعمق في خصوصية المجتمع وأخلاقياته، لا يمكن أن نلقي بالعتب على المواطنة التي رأت بأن من واجبها حماية مجتمعها من مثل هذه التصرفات التي تمس كرامته وأخلاقه، ومن ناحية أخرى نجد أن الثانية كان شعارها "من أمن العقاب أساء الأدب".

حَكَى لي أحدهم مرة عن حدث مُشابه حيثُ سقط عليه التساؤل الذي شغل باله كثيراً، عندما رأى بعض المقيمات في البلد في طريقهن إلى أحد المراكز التجارية في ملابس منافية لقوانين البلاد، فاتصل على الشرطة؛ ليستفتي عن الأمر، وكما يبدو فإنَّ الشرطي الذي رد على المكالمة شعر بغرابة كبيرة ورد على صاحبنا بأنه لا يوجد هناك أي عقوبة ولا قانون يخص الأمر. ومن ثم شعر الشرطي بعد فترة علكته الحيرة فيها وشك في الأمر وقيدته المخاوف من أن يكون في الأمر اختبار أو ما شابه له، فعاود الاتصال بصاحبنا قائلاً: ربما هناك قانون ما إذا أحببت سأبحث لك عن الأمر!

ومن هنا نتساءل عن اللوائح الموضوعة في بوابات الكثير من المراكز التجارية الكبيرة والتي تنبه مرتاديها بضرورة الالتزام بالملابس المحتشمة، عن الكم الهائل من المشاهد التي نصطدم بها يوميًّا والتي باتت وكأنها بديهية!

... إننا لا ننادي بالتعصب ولا التشدد بل على العكس، فإن منطقنا هو حرية الآخر، ولكن ولأننا ينبغي أن نحترم ثوابتنا وقيمنا كان من الواجب علينا أن نوعي الآخر بها.

ولا شك أنَّ السواد الأعظم من غير المواطنين أيًّا كان عرقهم وانتماؤهم سيشعرون بالكثير من الاحترام والتقدير عندما يلمسون منطقاً تنطلق منه ثوابت وقيم هذا الوطن، ولا شك أنهم سيلتزمون بنظامه وقواعده.

وعلى زاوية أخرى، فلا قيود لديهم في الأماكن المخصصة والتي يمكن لهم أن يرتادوها، ولكن للمؤسسات المسؤولة عن الأماكن العامة في السلطنة نناشد ونذكِّر بقول الله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ * يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر" (التوبة:71).

((النظام الأساسي للدولة كفل حقوق المواطن في أدق تفاصيلها، ولكن لا حقوق للمواطن متى ما تجاهلت السلطات المعنية تلك الحقوق)).

تعليق عبر الفيس بوك