"صوت فوق صوت المدفع"

محمد بن رضا اللواتي

هل تناهت إلى مسامعكم قصة "بستان البرد والسلام" في وسط "النيران المتأججة"؟ لقد كانت النيران التي سعرها أهل العراق بإيعاز وإشراف من حاكمهم - كما تقول القصة - آنذاك، "نمرود"، وظل النّاس أياماً وليالي يؤججونها بالحطب، حتى لا تبقى من "إبراهيم" باقية، لما أقدم على جريمة كسر أصنامهم، والتي لا عقاب لها إلا النَّار.

إلا أنّ النار استحالت إلى "برد وسلام"! في وسط ألسنة من اللهب من شدة حرارتها هرب القاطنون بجوارها إلى قرى أبعد. يرى جمع من المحللين إلى أن "بستان السلام" في وسط عواصف النار التي تشتعل في أكثر من موقع في العالم العربي، باتت "سلطنة عمان" بلا منازع، والتي تجاوزت كونها بلد يكرس السلام، إلى بلد تهب منه رياح إذابة الجليد في أكثر من موقع من هذا العالم.

مؤخرًا، وعندما نقلت وكالات الأنباء خبر استقبال السلطنة لجرحى عاصفة الحزم من اليمنيين الأشقاء، نفثت موجة من التغريدات جُملا تنم عن عمق تبني ثقافة الحرب ومقت الآخر بنحو محير للغاية، إذ توالت الاتهامات للسلطنة بأنّها أرض تأوي "أعداء الأشقاء"، وأرض تُعرقل المشاريع العربية الداعية إلى "مجد العروبة"، وأرض صوتت لغير صوت المدفع، وأرض ليتها لم تكن في الأساس!.

هل صدق هؤلاء؟!

لقد أعلنت السلطنة بمواقفها أنّ ثمة صوت يعلو على صوت المدفع. صوت لا يعلو عليه صوت. إنّه صوت الأمن والسلام والتعايش السلمي وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية.

هل صدق هؤلاء؟!

فليسمعوا الآن صدى الصوتين، ترى ماذا تركا من أثر؟ واحد منهما فحسب ترك مئات من القتلى من الأبرياء، ولا يزال، وكومة أطنان من المنازل المُدمرة، في حين غدا الآخر يتلقى دعوات لأن يعزف لحن السلام في مناطق تهب فيها نُذُر الدمار.

مؤخرًا، وجَّه المبعوث الخاص للأمين العام للأم المتحدة لليمن نداءً إلى وزارة الخارجية العُمانية يطلب منها التدخل لإنقاذ الجهود المضنية التي تمّ بذلها لحقن الدماء البريئة في اليمن الشقيقة، والتي باتت في مهب الرياح، ومهددة بنسف تلك الجهود، هذا بعد أن وصفها بالبلد الذي "يتمتع بالاحترام والتقدير من كل الأطراف". وفي ذيل الرسالة وردت عبارة لطيفة تتمنى أن توفر السلطنة طائرة "عمانية" لأجل نقل الأشقاء اليمنيين إلى مؤتمر جنيف، في الوقت الذي رجعت، مرتين، الطائرة التي بعثتها الأمم المتحدة للغرض ذاته، دون مشاركين.

هل صدق هؤلاء؟!

حقاً لن تتبنى هذه الأرض التي دعا بعض "المشايخ" أن تزيلها عاصفة مدارية من مكانها، صوتاً يعلو فوق صوت السلام، إطلاقًا. ولن تبخل هذه الأرض الطيبة بجهد يمكنها بذله لأجل بث الوئام والتقارب في العالم. تدليلاً على ذلك، نشير إلى المساعي التي بذلتها السلطنة لأجل احتواء النزاع الذي كاد أن يسعر نارا لا يعلم حجمها إلا الله، بين العدوين اللدودين، الولايات المتحدة، وإيران، في وقت كان أغلب المحللين يرون أنّ التدخل بينهما لأجل حل منازعاتهما نفخ بلا ضرم.

لا الثقافة التقليدية الإيرانية التي ترى في الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر" أثنت عزم السلطنة عن القيام بمهامها السلمية، ولا المكر الأمريكي بالإمعان في الخناق الاقتصادي على إيران وقيادته لكل مشروع ينتج عنه سقوط النظام الإيراني، أوهن عزم السلطنة على الاستمرار في الدعوة إلى نهج السلم.

لقد أخطأ هؤلاء!

إن أرضًا كهذه ينبغي أن تكون، بسياستها هذه، دائمة البقاء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إن بستاناً كهذا يجب أن نتضرع إلى الله تعالى أن يكون بردا وسلاما دائمين. وفي الواقع فإنّ مجد العروبة لا يكمن في الصراع وسيلان الدماء هنا، وإباحة الأعراض هناك، كلا! بل يكمن المجد في بث وإشاعة ثقافة الأمن والسلام العالميين، فهذه هي الدعوة المتوافقة مع طبع الإنسان الذي يجنح إلى حب الحياة، وكره الألم.

ولا قول بعد قوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".

mohammed@alroya.net

تعليق عبر الفيس بوك