قتل الحنش

عائشة البلوشية


"اليوم يوم الدرنة وباكر كل حد في قرنه" هذه العبارة كنت أسمعها من جدتي الغالية، وتعني أن اليوم هو يوم الأكل وغدًا كل شخص سيتخذ مكانًا منزويا ليغفو، و"قتل الحنش" كما يعرفها أهل محافظة ظفار، أو"يوم الدرنة" كما نعرفها في محافظة الظاهرة، وربما هنالك مصطلحات أخرى في بقية محافظات ووﻻيات السلطنة الحبيبة، ما إﻻ تعبير لليوم الأخير قبل أول يوم صوم في شهر رمضان الكريم، حيث يجتمع الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء على وجبة غداء دسمة، على اعتبار أنها آخر وجبة غداء حتى الأول من شهر شوال، وهي عادة من العادات الجميلة، كادت أن تختفي لوﻻ أن البعض بدأ في إحيائها بأساليب حديثة، هذه العادة تعطي الأطفال والفتيان الحماس، وأن للشهر الكريم خصوصيته في الاحتفاء، وأن هذا التجمع المشهر يعني أن نهار رمضان له حرمته ﻻ يؤكل وﻻ يشرب فيه...
ما أجملها من ذكريات تلك التي ترتبط برمضان، عندما جربنا الصوم ﻷول مرة في قيظ تلك السنين، حيث ﻻ مكيفات تبرد حرارة الجو، وﻻ مراوح تخفف من لظى القيظ، وأذكر بأنّهم كانوا يعمدون إلى بل ملابسهم بالماء لتلطف أجسادهم المتعبة، وبعدها أحضر والدي الغالي -رزقني الله بره- مولدًا كهربائيًا يعمل بالديزل ويشغل مكيفين في مجلس البيت، وآخر في غرفة جدتي، بالإضافة إلى ثلاجة واحدة، وأذكر أن عمي الشيخ علي كان يقوم بتشغيله لمدة ساعتين عند الظهيرة، ليجتمع جميع أصحابه للنوم في مجلس المنزل طلبا للبرودة في نهار رمضاني قائظ، أتذكرها اليوم ولساني يلهج بالحمد والشكر على النعمة التي نعيشها اليوم، حيث الكهرباء تعمل طوال اليوم.
جاء هذا الشهر الغالي بمشيئة الخالق القادر هذا العام بشكل مختلف ومميز، جاء برسالة واضحة للعالم الإسلامي، ففي الوقت الذي يتسابق المسلمون في التشرذم والانشقاق إلى فرق كثيرة شاءت قدرة الله تعالى أن يجمعهم تحت سقف قبة زرقاء تبحر أنظارهم إلى الأفق الممتد، وتشرئب أعناقهم في محاولة لرؤية هلال شهر رمضان الكريم، ليأتي العطاء كريمًا من العاطي بتوحيد غرة الصيام لمسلمي العالم في يوم الخميس، لعلّ عقولنا تعي بأنّ شهادة أﻻ إله إﻻ الله وأن سيدنا محمد رسول الله هي ما يجمعنا أساسًا، وأننا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ولكن وحّدتنا العقيدة وفرقتنا المكيدة.
وبعد الإعلان عن الرؤية نتسابق بفرح لنتبادل التهاني بالشهر الفضيل، ونأمل أن يرزقنا الله قيامه وصيامه وأن تستجاب دعواتنا، وكم نحس بالغصة عندما تصلنا رسالة من أخت أو من عملنا معهم ليعبّر عن التهاني بطلب واحد سائلا منا الدعاء بالفرج وأن يرفع الله عن بلادهم ما حلّ بها من خراب، ﻷنه ببساطة ينتمي إلى بلدان ابتلاها الله بما يسمى ظلما بـ"الربيع العربي"، وكم هو مؤلم أن تعرف كم الرعب والخوف الذي يسكنهم بعد انعدام الأمان بكل أشكاله، ونحن في عمان نردد الحمد لله أننا مسلمين عمانيين، يحكمنا حكيم يزن الأمور بالقسطاس المستقيم ليجنبنا ويلات التشرذم وتمزيق الصف، اللهم أدم على عُمان نعمة الأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة، واحفظ سلطاننا الغالي ومده بالصحة والعافية، اللهم وفرج عن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كل كرب، والطف بهم فيما جرت به المقادير إنك سميع مجي..
توقيع: قال تعالى: "ولوﻻ دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" البقرة 251.

تعليق عبر الفيس بوك