لهذه الأسباب تراجع حزب العدالة والتنمية

فهمي الكتوت

ثمة أسباب عديدة وراء نتائج الانتخابات النيابية التركية، التي قلصت نفوذ حزب العدالة والتنمية، منها أربعة أسباب رئيسية أدت إلى فقدانه الأغلبية النيابية وحرمانه من التفرد بالسلطة؛ الأول: اقتصادي وهو عامل حاسم في أي انتخابات ديمقراطية، والثاني متصل بالسياسة الخارجية اتجاه الدول العربية وخاصة التورط بالأزمة السورية، والثالث محاولة الرئيس التركي إجراء تعديلات جوهرية على الدستور والتحول إلى نظام رئاسي واسع السلطات، وإضعاف دور المؤسسة النيابية، أما السبب الرابع فمتصل بالحريات العامة وسلوك الحكومة التركية تجاه القضية الكردية. وسأتوقف عند الأول والرابع.

من المعروف أن الاقتصاد التركي شهد نموا ملحوظا مع صعود حزب العدالة والتنمية، كما شهد تدفقا واسعا للاستثمارات الأجنبية، خاصة بعد إصدار حزمة من القوانين والإجراءات الليبرالية التي سهلت تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للأسواق التركية. فقد رفعت الحكومة التركية سقف توقعاتها وطموحاتها، لكي يصبح الاقتصاد التركي بين أكبر 10 اقتصادات في العالم بحلول عام 2023، بعد أن حجزت مقعدها في مؤتمرات العشرين، وقد تعزز دورها الاقتصادي بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي انفجرت في سبتمبر 2008، وهجرة رؤوس الأموال الغربية إلى الدول الصاعدة، ومن بينها تركيا للاستفادة من معدلات النمو المرتفعة والقدرة التنافسية التي يتمتع بها الاقتصاد التركي، وحالة الاستقرار السياسي في ظل قوانين اقتصادية ليبرالية وفرت الحرية لحركة رأس المال والنشاط التجاري، وسياسة التخاصية التي نفذتها الحكومة التركية. وحصد حزب العدالة والتنمية ثمرة نجاحاته الاقتصادية في انتخابات عام 2011 البرلمانية، حيث تمكن من تحقيق الفوز في الأغلبية النيابية، بفضل الإنجازات الاقتصادية التي حققها.

ومع دخول تركيا على خط الأزمة السورية وانحياز حزب العدالة والتنمية للحركات الإسلامية، بما فيها الحركات التكفيرية المتطرفة، ظنا منه أن النظام السوري سيواجه مصير نظام مبارك، ما يمهد الطريق أمام دور تركي إقليمي، يعيد الاعتبار لأمجاد الإمبراطورية العثمانية، ومع تورط الحكومة التركية بالأزمة السورية، بدأت رؤوس الأموال الأجنبية تستشعر بالخطر على استثماراتها، والانتقال إلى مواقع أكثر استقرارا، حيث فقدت تركيا إحدى مزاياها، ولم تعد الشركات الأجنبية مهتمة بالاستثمار في تركيا، الأمر الذي أدى إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي. خاصة وأن الطفرة الاقتصادية اعتمدت على تدفق رأس المال الأجنبي، والتوسع في الاقتراض والاستهلاك.

جاء تراجع الحزب في الانتخابات الأخيرة وفقدانه الأغلبية النيابية، بسبب تراجع النمو الاقتصادي وهروب المستثمرين الأجانب من تركيا وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت في الربع الأول من العام الحالي إلى 11.2% مقارنة مع 10.2% في نفس الفترة من العام 2014 وفقاً لمعهد الإحصاء التركي، وتوقفت كبرى مصانع السيارات في مايو الماضي وهي توفاس وفورد أوتوسان ورينو بسبب النزاعات العمالية الناجمة عن اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ومطالبة العمال بزيادة الأجور. كما واصلت الليرة التركية تراجعها أمام العملات الأجنبية مسجلة انخفاضا قدره نحو 20% خلال عام.

وقد أدى تدخل الرئيس التركي في السياسة النقدية إلى بروز أزمة مع البنك المركزي بإصراره على تخفيض سعر الفائدة. ومصادرة بنك آسيا على خلفية الصراع السياسي مع مالك البنك الداعية فتح الله غولان خصم الرئيس أردوغان السياسي. وفضائح الفساد التي مست شخصيات مقربة من الرئيس التركي. وعلى وقع هذه الخلافات غادر سوق المال التركي عدد من البنوك الأجنبية، (بنك سوستيه جنرال الفرنسي، وبنك طوكيو ميتسوبيشي الياباني، وستي بنك الأميركي) وقلص بنك اتش اس بي سي فروعه ومن المتوقع مغادرته تركيا، وقد أعلنت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرز اند بورز أن ما حصل مع بنك آسيا يعتبر تدخلا سياسيا بامتياز.

أما السبب الرابع والمتعلق بالسياسة الداخلية التي أفقدت حزب العدالة نسبة غير قليلة من مؤيديه فتتمثل في انتهاك الحريات العامة والتعامل بخشونة مع المتظاهرين والمحتجين على السياسات الحكومية، هذه السياسات مكنت حزب الشعوب الديمقراطي من سحب البساط من تحت أقدام حزب العدالة والتنمية بتجاوزه العتبة المطلوبة للتمثيل النيابي وهي 10%، وحصوله على حوالي 12.6% من الأصوات محققا قفزة نوعية والحصول على 80 مقعدا في مجلس النواب الجديد. في حين لم يحصل في الانتخابات السابقة سوى على 4.8%. فقد نجح حزب الشعوب الديمقراطي في استقطاب الناخبين الأكراد الذين كانوا يتعاطفون مع حزب العدالة سواء في ديار بكر او في المحافظات الأخرى، فلم يحصل حزب العدالة والتنمية الا على مقعد واحد في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، وحصل حزب الشعوب الديمقراطي على المقاعد العشرة الباقية. وجاء حجب أصوات الكرد عن حزب العدالة والتنمية، عقابا له ما يعكس مدى استيائهم من سياسات الحكومة التركية وترددها في تقديم الدعم والمساندة لأكراد كوباني في محنتهم. وتعثر مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني. ولم ينحصر نفوذ حزب الشعوب الديمقراطي بين الاكراد، فقد تمتع بأصوات شعبية من الكرد وغيرهم بسبب تقديم نفسه كحزب علماني، واصفا رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش نفسه بأنه يساري ومسلم مؤمن في الوقت نفسه. ونجح بالحصول على أصوات المناهضين لحزب العدالة على أساس برنامجه الانتخابي اليساري وليس على أساس قومي، وفقا لتصريحات مسؤولي الحزب.

تعليق عبر الفيس بوك