رمضان كريم

سارة البريكيَّة

يهلُّ علينا هذه السنة شهر رمضان المبارك ونحن في عُمان نتطلع إلى أن يكون هذا الشهر فاتحة خير على جميع شعوب الأرض، وبداية توقف لكل القلاقل الدامية والفتن التي يرزح تحتها عدد كبير من الأبرياء في مختلف أنحاء المعمورة. وفي حين أنَّ شهر رمضان المبارك اختصه الله بالطاعة والعبادة، وتؤمن به كل الأديان السماوية، ناهيك عن أن ديننا الإسلامي الحنيف يولي هذا الشهر أهمية كبرى لما فيه من خير على المسلمين، ولما فيه من مضاعفة للحسنات وتكفير للخطايا والسيئات؛ فقد قال الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" صدق الله العظيم.. فهو شهر اصطفاه الله وميَّزه عن غيره من الأشهر بقيمة ما فيه، كصومه الذي هو عبادة سرية بين العبد وربه، وجعل له خصائص عظيمة ومزايا حسنة يعلمها عامة المسلمون وخاصتهم.

وكان الرعيل الاول والسلف الصالح من المسلمين في الارض، ومن أهل القرآن في الحياة الدنيا وغيرهم، يفرحون بمقدم الشهر المبارك، فكان له ولا يزال شأن كبير عندهم، وكانوا يهتمون فيه بكثير الطاعات والعبادات والاعمال التي تضاعف الحسنات والاجور، وكانوا يجتهدون في ايامه بما يحقق لهم رضا الله -عزَّ وجل- وصفحه وعفوه وغفرانه.

... إنَّ شهر رمضان عوضا عن أن فيه تزاد الدرجات وترفع الحسنات وتغل الشياطين وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، فهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وفيه ليلة خير من الف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها، فهنيئا لمن سيحسن صيامه وقيامه وقراءة آي الله وقرانه، وهنيئا لمن سيقيم حدوده، ولمن سيوفق إلى تادية كل الفرائض في جماعة على النحو الذي أمر، وقد ورد بأنه "ويل لمن أدرك رمضان ولم يغفر له".

فاليوم، ستجد أحوال المسلمين في شهر رمضان متفاوتة، فهنالك الفقير الذي ليس بيديه شيء ولا يملك شيئًا ليوفر من خلاله ما يحتاجه الشهر ليقتات به في فطوره وسحوره وما سيسد به رمقه وجوع عياله وهو مستور، وهنالك من اجبرته الظروف على ان سيعيش في هذا الشهر تحت آلة الحرب والدمار وفي المعتقلات والسجون والملاجئ، آملين لكل هؤلاء لو كانت ظروفهم أفضل، وأحوالهم أحسن، لينعموا بصوم الشهر المبارك، بين أهلهم وذويهم، وفي أوضاع آمنة مستقرة، وهم مرتاحي البال، ميسوري الحال، بالقدر الذي يُجنِّبهم الحاجة والسؤال والبؤس والحرمان، وبالمستوى والحال الذي يمكنهم من أداء الصلوات في المساجد وهم آمنين مطمئنين، مجتمعين مع أفراد أسرهم على إفطار واحد، وصوم مقبول وذنب مغفور.

... إنَّ الأوضاع المقلقة التي يعيشها اليوم معظم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يحتاجون معها الى قوة معنوية ونفسية شديدة تعينهم على صيام شهر رمضان كغيرهم من الناس الآمنين في أوطانهم ومخادعهم؛ فالاستمرار على صوم الشهر والالتزام فيه بالطاعة والعبادة منذ اليوم الاول وحتى انتهائه، امر شاق على من يعيش خوفا وقلقا، وأن يتساوى مسلم الغرب مع مسلم الشرق، فيما سيأتي ويذر في شهر الخير من طاعات وعبادات واعمال البر والخير والاحسان، لن يتاتى الا اذا كان هنالك شعور بالامن والامان والاستقرار.

فهيهات لمن حُرم من ذلك، وهيهات لمن يعيش عذاب وظلم الانسان لاخيه الانسان، فما يعيشه كثيرون من المسلمين على هذا الكوكب من خوف وقتل وترهيب وتهجير، لهو امر مؤلم ويحز في النفس، وأتصور انسانا بغى في الارض واصبحت نفوس المسلمين لديه رخيصة، واصبحت شخصية متعطشة للدماء والذبح -أبعدهم الله عنا- أفكر في هكذا إنسان كيف هو مع نفسه وذاته وباطنه! كيف هو بعدما يفعل الاجرام في نفوس الابرياء! كيف ضميره وسريرته عندما يعتدي على حرياتهم وحقوقهم واعراضهم!

نحن نعلم أن الإسلام يمنعنا من امور كثيرة، وينهانا عن الإتيان بتصرفات وافعال ما أنزل الله بها من سلطان، ويلزمنا باتباع ما أمر الله وامتثال ما نهى عنه؛ فالتعدي على الغير وحقوقهم ودمائهم واستباحة أعراضهم بدافع الطائفية والاختلاف في المذاهب والعقائد والافكار والشرائع، امر مرفوض ومنبوذ، وشهر رمضان فرصة لاصلاح الانفس وتهذيبها وسوقها الى ما يرضاه الله ورسوله، وعلينا ان نتحلى في هذا الشهر باخلاق وصفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علينا ان نعمر هذا الشهر بطاعة الله وحسن عبادته ورحمة الناس والاعراض عن اذيتهم او التنكيل بهم والاساءة اليهم، وأن ننتهز الفرصة في هذا الشهر الكريم، لنجدد العهد مع الله تعالى، بالالتزام بطاعته، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه مدى الحياة.

وأقول لهؤلاء المقتدرين إنَّ في صوم العبد استشعارًا بالفقراء والمساكين والمحرومين، وإحساسا بآلامهم وبمعاناتهم، فلا بأس من تفقد أحوالهم وقضاء حوائجهم وعدم السخرية والاستهزاء بهم، وكان صلى الله عليه وسلم اجود الناس، وكان اجود ما يكون في رمضان.

وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أرفع لمقام مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، أسمى آيات التهاني والتبريكات بالشهر المبارك.. سائلة الله العلي القدير أن يبارك البارئ جلت قدرته في عمر جلالته، وأن يمتعه بالصحة والعافية، ووفقكم الله أحبتي لصيام هذا الشهر وقيامه، متمنية لكم صوما مقبولا وصحة وعافية، وأن يبلغكم الله تعالى تمام هذا الشهر لا فاقدين ولا مفقودين.

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك