عبدالله الحجي
(1)
الموت حقيقة حَقة، وحقيق بتحقيقها، لا يسري نكرانها إلى قلب مؤمن بالغ الإيمان، أو كافر عظيم الكفران؛ ﻷنها واقعة مشاهدة، وحادثة معايشة،(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) (ق: ١٩). فثمة حقائق قد يماري فيها إنسان، وقد يلحقها جَحد ونكران، إلا حقيقة الفناء، فإنه لا يستطيع أحد نكرانها. فحتى الكافر الملحد الذي لا يؤمن بإله، ولا بيوم البعث، يؤمن إيمانا من داخل سويداء قلبه أن الموت حقيقة واقعة، كيف لا وهو يرى البرايا يختطفهم الموت غدوا وعشيا، وقال المولى على لسان المشركين في كتابه: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (المؤمنون: ٣٧).
ومهما بالغَ منكِر إنكارها، وطمسها، وعدم الإيمان بها، إلا أنه لابد آتيه يوم يصل فيه إلى اقتناع تام بهذه الحقيقة التي هي أبين من قرص الشمس في رابعة النهار، فيراها عين اليقين، عندما يتمثل له أثرها في واقعه المعاصر، حينما يفقد عزيز له، يحن الفؤاد إليه، وإلى لقياه، إلا أن الموت حال بينه، وبين ما يشتهي، فهناك يدرك قد وقعت الواقعة.
ولا ينتهي الأمر عند هذه الحقيقة فحسب؛ بل الأمر أعظم من ذلك، ألا هو ما وراء هذه الحقيقة المصيرية من مصير أخروي، مترتب على المسير الدنيوي.
وحقيقة الفناء متى ما تكون حاضرة في البال، لا تغادره في غالب الأحيان؛ إلا وسيكون لها مردودها الإيجابي، وأثرها المرغوب، عكس ما يُتصور في الأذهان أن استحضار الرحيل في الذهن مجلبة للتعاسة، واليأس، والقنوط، وإلا لما أرشدنا حبيبنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى الإكثار من ذكره، وليس ذكره فقط؛ بل يقول:"أكثروا من ذكر هادم اللذات".