ماذا وراء الأسطورة العمانية (1-2)؟

عهود الأشخرية

كبرنا على الأساطير التي تعرفها أو عايشتها جدَّاتنا وكأنها حكايات لابدّ من تلقيننا إياها منذ الصغر، ولم نكن ندرك ماذا وراء هذه القصص أو حتى لم نكن نتساءل ما إذا كانت صحيحة أو خاطئة، لكن مفاهيمنا في النشأة كانت مرتبطة بها كثيراً أو بالأحرى كانت هذه القصص بمثابة ثقافة مؤقتة لنا. في ذلك العمر كنّا نؤولها حسب ما يتطلبه الموقف، وكنّا نستند إليها سواء للتخويف أو للسخرية. فماذا وراء هذه الأساطير والقصص القديمة؟ هل كنّا نصدقها بسبب أننا نفتقر إلى الوعي أم لأن الإنسان بطبيعته يسعى لتصديق الأشياء غير الواضحة؟ حيث يقول (إدموند جونكورت): "الإنسان لا يُريد تصديق الحقائق، بل يميل لتصديق الأساطير والخرافات".

كانت الأسطورة عند أجدادنا القدامى أساس الحياة الثقافية وربما الاجتماعية أيضًا؛ حيث كانوا يستندون عليها في الكثير من ملامح حياتهم، لذا فقد صارت رمزًا مهمًا منذ ذلك الوقت، وصار لها تاريخ عريق، ومن منطلق موضوع معين في متطلب دراسي لديّ هذا الفصل؛ تحدثنا عن بعض الأساطير في عمان منذ القدم، وصار لديّ فضول كي أبحث ماذا وراء هذه الأساطير التي هي أساسًا أشياء خارجة عن إطار العقل، أو أنها في الأساس مجرد رموز كانت لإيصال رسائل معينة للآخر، وكانت هذه الأساطير ترتبط بالدين، وقدرة الإنسان العجيبة، وغالباً وجود الجن أو القوى الخارقة والغيبية.

إذا جئنا نعدد أمثلة لهذه الأساطير فهي كثيرة جدًا ولكن هناك المدهشة منها من ناحية الخروج عن قدرة خيالنا. من ناحية أخرى فقد ورد ذكر أنبياء الله كثيرًا في الأسطورة العمانية ومن ذلك قصة الأفلاج الداؤودية التي قيل إنها نُسبت إلى النبي سليمان، حيث تقول هذه الأسطورة في مجملها (أنّ النبي سليمان كان ذاهبًا إلى بيت المقدس على بساط الريح، فحدفته الرياح إلى الصحراء، فنزل بها هو وجنوده من الجن فوجد قلعة في سلوت ببهلا، ثم استعان بالهدهد حتى يبحث عن المياه، فمكث هناك عشرة أيام شقّ في عمان ألف فلج كل يوم)، ولهذا السبب يعزي الكثير من العمانيين سبب كثرة الأفلاج الداؤوية في عمان، وحتى أكون واضحة فإن الأفلاج الداؤودية هي قنوات طويلة يوجد جزء منها داخل الأرض، يمتد أفقيًا ويصل طوله إلى آلاف الأمتار حتى المخزون الجوفي، وتُسمى أيضاً العّدية. وفي ذات موضوع الأفلاج الداؤودية هناك قصة أخرى تقول: (إن النبي سليمان نزل في الباطنة، وبينما كان محلقا يوما فوق أحد الحقول سمع حوارا بين مزارع وثور كان يحرث به الأرض وقد تسمر في مكانه، فسأله المزارع لماذا توقفت عن العمل، فأجاب الثور: ألا ترى أن الملك سليمان يمر بقضه وقضيضه وجنوده؟ فأنا أقف احترامًا له، فرد المزارع إنّه لا يستحق الاحترام فقد نزل هو وجنوده وشربوا من مائنا فجفت عيوننا وآبارنا، فشعر النبي سليمان وأمر الجن بأن يشقوا ألف فلج في اليوم.)، إذن فهذه الأساطير لا يمكن أن ينظر إليها الإنسان الواعي بعين التصديق؛ فقد كانت إضافة معنوية إلى الرموز والصور والأحداث التي شكلت تفاصيل القصص الشعبية القديمة في عمان.

لو جئنا نركز على زاوية أخرى، وهي وظيفة الأسطورة أو بالأحرى ما الجانب الذي خدمته هذه الأسطورة.. لقد كشفت لنا الأسطورة عن رموز قديمة أخرى تعددت في آثار عمانية معروفة أو قيم معينة، وأيضًا الشيء المعنوي الذي نأخذه من وراء هذه الأسطورة. وأيضا كان لأماكن وأشياء كثيرة في عمان قيمة مادية فلذلك ظهرت هنا الكثير من الأساطير بغرض التخويف، فسبب أهمية شجرة اللبان في فترة من الفترات حيث وصفها الكثير من الكتاب العرب والغرب وقال (بليني) في ذلك: (أن شعب جنوب الجزيرة العربية هو أغنى عنصر بشري عرفه التاريخ) وقد عزا هذا الثراء الخيالي لوجود أشجار اللبان. فبسبب ذلك ظهر أسطورة تقول: (إن أشجار اللبان حولها ثعابين كثيرة تخرج من عيونها الشرر)، وواضح من هذه الأسطورة الغرض الأساسي منها.

وهناك الكثير من الأساطير لها أبعاد مختلفة، وظلّت حتى يومنا هذا، وبعضها تلاشت زمنا بعد زمن، والسبب الأساسي لتلاشيها أن الإنسان بدا يتشكل له الوعي القادر على القضاء على حيلة هذه الأساطير، وبالطبع وجود طرق علمية رصينة للرد على مثل هذه الأساطير أو حتى وفق رؤى معينة.

Ohood-Alashkhari@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك