قصص ما بعد الاختبارات

سهام الحارثية

قبل أيام، كنتُ أدردش مع ابنتي التي تجلس لامتحانات الثانوية العامة هذه السنة؛ لتخفيف بعض مما تعانيه من ضغوط نفسية مثل جميع زميلاتها وزملائها خلال أيام الاختبارات؛ ليس لأن الامتحانات صعبة أو أنها اختبارات ذكاء يصعُب اجتيازها، بل لأنها أيام ستُحدِّد مصيرهم!! كما قالت لي هي.. فللثانوية العامة بالذات هالة تعودنا عليها نحن في سنوات سابقة واستمرت إلى اليوم رغم تغيُّر المناهج وطرق التدريس!! وكان ضمن حديثنا نقاش حول صورة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي عن تبادل فتاتين لقصاصات أوراق خلال انشغال رقابة مركز الاختبار بزيارة وزير في إحدى الدول، فقلت لها: "الظاهر أنّهما نسيتا أن هناك عينًا لا تغفل ولا تنام"!! فردَّت عليَّ ابنتي بأنّ ما يحدث يومياً في قاعات مراكز الامتحانات شيء أسوأ من ذلك، وأنها سوف تخبرني بالقصص بعد أن تنتهي من اختباراتها.. إلا أنني لم انتظر طويلاً، فبعد انتشار الصورة على مجموعات الواتساب وصلتني حكايات وقصص غريبة من بناتي وصديقاتهن تارة، ومن صديقاتي وبناتهن تارة أخرى عن القصص البطولية في التحايل والغش في الاختبارات! نعم قصص ترويها صاحباتها بكل فخر بعد الخروج من الامتحان لأنهن تمكنَّ من الغش رغم الرقابة الشديدة وعدم تساهل أستاذة المراقبة (الحاسدة) حسب وصفهن!! وأذكر لكم بعضًا من تلك القصص التي آلمتني كثيرًا لأنها لم تصدر عن مراهقة أعياها حفظ بيت شعر أو نظرية علمية، فقررت أن تكتبها وتحتفظ بها لتلقي عليها نظرة إذا لم تسعفها ذاكرتها حين يكرم المرء أو يُهان!! بل المصيبة أن أمَّ إحداهن وقدوتها هي التي اقترحت عليها أن تنقل لها في ذراعها حديثاً شريفاً لم تجد الوقت لحفظه؛ فقررت الأم أن تساعد ابنتها وتخطه بيدها في ذراع ابنتها!! أليست مصيبة عندما تُعلم الأم ابنتها الغش بدلًا من أن تعلمها قيمة غالية من القيم التي إن فقدها الإنسان ضل سعيه في هذه الحياة؟ (قيمة الأمانة مع النفس قبل الغير)!! ولم تلمها نفسها حتى للحظة واحدة؟ لتتفكر قبل أن تبدأ مسلسل الغش بحديث نبوي شريف!! ترى هل كتبت لها في نهاية الحديث "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟ نعم صدق فهو الصادق الأمين، قدوتنا ومعلمنا.. ألم تستح منه وهي تخط بيدها كلماته الغالية لتغشها ابنتها بدلًا من أن تساعدها على حفظه وتدبر معانيه؟! وقصة أخرى تلك التي حصلت العام الماضي عندما تواصلت أم -يفترض أن تكون تربوية- مع ابنتها بالواتساب لترسل البنت السؤال من قاعة الاختبار وترسل الأم الحنونة الإجابة من مكتبها!! تُرى كيف تجرَّأت!! ألم تغرس فيها سنوات عملها في وزارة التربية والتعليم أن التربية أهم من التعليم!! فقامت تزرع بذور سيئة في ابنتها التي وإن حصلت على درجة كاملة في ذلك الاختبار ستبقى تحس في قرارة نفسها بالضعف وأن قريناتها الأصدق هن أقوى منها علماً ومعرفة!! ألم تفكر تلكم الأمهات أن من يعتد على الغش مرة يستسهله فلن يبذل مجهودا في الحياة إذا استطاع أن يحصل على كل شيء أسهل بالغش!! تُرى: هل تقبل تلكم الأمهات أن يبيعهن تاجرٌ سلعة مغشوشة!! وهل ستقبل أن يعالج ابنتها طبيب زوَّر شهادته!! هل الغش في الامتحان أبيض والغش في المواقف الأخرى أسود!! ليتهن قبل أن يدمرن بأفعالهن قيم الصدق والأمانة في ذهن بناتهن فكرن في مقارنة الأمرين.. فهل يساوي الغش في اختبار بسيط تشويه إنسان سوي وتحويله إلى غشاش!! إلى كل أب أو أم أو ولي أمر يستهين بصغر حجم خطيئة يرتكبها أمام طفل أو مراهق مهما كان تبريره، تأكدوا أنّهم يتعلمون من أفعالنا لا من كلامنا فلا تحزنوا يوماً ما إن رأيتم من ربيتموهم يرتكبون خطيئة كبيرة فقد كنتم أنتم من زرع بذورها وراقبوا تصرفاتكم فمن غشنا ليس منِّا.

 

@sihamalharthy

تعليق عبر الفيس بوك