وتتمزق العروبة.. فهل من مزيد؟

آمال الهرماسية

تعود بي الذاكرة الى سنوات مضت.. ١٧ يناير الى ٢٨ فبراير ١٩٩١ حين اتهمت العراق الكويت بسرقة النفط عبر الحفر بطريقة مائلة فاجتاحتها وأطلق عليها حرب عاصفة الصحراء بما لهذه التسمية من معنى العاصفة الهوجاء التي خلفت غبارا لم تمحه سنوات تلتها من الدبلوماسية وتهدئة الأجواء وخلفت احتقانا لازال يحفر قلوب جميع من كان طرفا في شنها او وقوعها او حتى اخمادها .

مشهد خلده التاريخ وتناقلته الأجيال وتجرعته أمهات ثكلى وأرامل ناقمات ويتامى لا عزاء لهم غير جور أليم صدع أركان أمنهم وسلب براءة طفولتهم بلاحول منهم ولا قوة ولا ذنب غير انعدام حوار ورعونة قرار،، وانعدام حنكة ،، وتضارب مصالح،، وسطحية قيادة وأنانية موقف،، وعداوة أشخاص خلف انهيار كيان،، ورغبة جامحة في التوسع والاستيلاء من أجل ضمان مصالح اقتصادية واستراتيجية ممتدة عبر التاريخ،،

وقتها،، كان قرار التحالف من أجل اخماد الفتنة خطوة جريئة باركتها الأمم المتحدة وفزع لها شباب غيورون على الدم والرقعة والعدل والعدالة وحق الجيرة والعروبة،،

بطولة ليس لينكرها تاريخ ولا شهود عيان،، وليس ليختلف فيها عاقلان ،،بدأتها الولايات المتحدة متحالفة مع القوى البريطانية في عمليات حققت نصرا هاما،، مهد لقوات التحالف للتغلغل داخل أجزاء من العراق التي بدورها ردت بصواريخ سكود التي ارسلتها الى اسرائيل والعاصمة السعودية الرياض،،

مجرد استعادة المشهد والذكرى يشعرني بالاختناق،، وان همدت بعدها نيران الأسلحة وانطفأت فنيران الحرقة والألم لازالت تستعر بين أضلع كل عربي غيور آمن وأمل أن يعيش ليرى يوما وحدة عربية متماسكة المصالح والأهداف، متحدة النظرة قوية البنية متأصلة القناعة،،

وهدأت العاصفة لتخلف رمادا بطعم المرارة ،، وهدواء بكنف الموت ،، وفرحة مخضبة بدماء الشهداء،

لينسى العالم وتستمر الحياة، وتبقى قسوة المشهد وسواد الموت يخيم على بيوت شباب ضحت بهم أشلاء العروبة من أجل البقاء ،، وتمضي الأيام على وتيرة الاختلاف والتخالف والجذب والتجاذب والتشتت وتضارب المصالح،،، ويبتعد حلم العروبة ليصبح أكذوبة ابتدعها الحالمون وتخيلها المنظرون حبرا مهدورا لتغدو هباء منثورا،،

وبعد سنوات عجاف ومنابر مزيفة جمعت قادة وأصحاب قرار وتعالت فيها هتافات وتلاشت فيها آمال،، بعد سنوات،، أيقن فيها العالم استحالة استعادة الأمجاد،، وانتفاء المعجزات،، هانحن نشهد جورا حديثا صارخا للعيان،، فنندد ونستاء ونتألم وننكر فعلا عربيا يسقط على وطن آخر عربي، دم واحد وتاريخ واحد وأمة واحدة انقسمت شعوبا تتناحر وتسفك دمائها،، حين تضيق النظرة من النحن الى الأنا ومن العصبة الى الهو ومن الكل الى الجزيء ومن الدين الى المذهب،، ومن التدين الى فراغ التعصب تنتفي الأخوة ويحل محلها العداوة،، وتختل الرجاحة ليستوطن الخلاف، وتصم الآذان حتى لا تسمع غير صوت المارد فيها،، فتتمزق خارطة العروبة وتتحول أشلاء ضعيفة مستضعفة وتخور القوى وتتفرق الصفوف،، ونصبح مسرحا لمشاهد مريرة وأخبارا يومية تنذر ببدء الانتهاء،، وهل لم ننته منذ أزمنة لما شغلتنا صغائر الأمور عن كبيرها،، وقشور الكينونة عن لبها ودناءة القضايا عن عمقها،، ألم ننته أم أننا أشرفنا على الانتهاء لما نسبت لنا أسوأ الأوصاف وأردأ النعوت ،، ارهاب، فوضى ، فرقة ، تضارب مصالح و عدم وفاق ،، صراخ شبيه بالعواء ،، دين محا البعض ملامحه وتناسوا عظمته بين ترهات اجتهادات وتأويلات انحرفت به عم مساراته الصحيحة ، لتتداخل المفاهيم ، وتضعف الحجج بعد أن رفعه رجالا ونشره أبطال ووثق حجته علماء غيروا مسارات التاريخ وخارطة العالم ،، وحدوا الفعل قبل الكلمة وأرسوا المبادئ وتجاهلوا المظاهر وأعلوا كلمة واحدة أظلوا تحتها ضعفهم وقلة مواردهم فجعلت منهم عصبة تخشاها الأمم وقوة تحدت الزمن،، لا اله الا الله محمد رسول الله علم أخضر بلون الحياة حملته أياد سخرها المولى فأعلى شأنها وسدد خطاها،،، ورفع اسمها فأنارت منارات الاسلام شرقا وغربا وضمت شعوبا وقبائل واستقطبت عامة وخاصة جاهلا وعالما ضعيفا وقويا،، لا اللون يفرقها ولا اللغة ولا الرقعة ولا البقعة،،

تلك مرحلة ولت ومضت،، وحل محلها دعاة خاو جرابهم فاضية عقولهم ضعيفة حجتهم، مقيتة أساليبهم، اعتنقوا الخصام بدل الحوار، تناسوا حق الجوار وحق الأخوة وحق العروبة وحق الاسلام وألحقوا به العار.

فيامن رفعت شعار الاسلام محاربا، عدوك ليس اخاك ،، بل هو ذاك المترصد من بعيد، يدفعك ويغريك ويمهد لك ويستهويك لينهك قواك ومن ثمة سيأتي يوما وينهيك،، عدوك يلبس رداءا أبيض ويرسم على شفاه ابتسامة مخادعة ويمنيك بالسلطة والجاه فيبيح لك سفك دماء أخيك وارهاب جارك وصديقك،، وله فيك مطامع، الهي!! كم هي صارخة، واضحة، بائنة، عمت عنها بصيرتك قبل بصرك،،فأخذتك عزتك لتعذر إثمك،، وجبروتك ليطفئ رحمتك،، فتبطش وتقتل وتحلل وتحرم وتأتي إثما براء منه ديننا عزيزة عنه مذاهبنا بعيد عنه إسلامنا،،

الاسلام نبع تسامحا وانتشر رحمة وعم محبة،،وترسخ مبدأ ، أساسه،، انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على العدو،، مقولة رددها الأجداد حكمة لمن لا حكيم له،، وعبرة لمن لم يعتبر من أحداث الزمن،،

فان كانت( عاصفة الحزم) قد اندلعت بهدف ضمان جوار هادئ ،، ألم يكن من الأجدر الاحتواء والاستماع ومن ثمة ايجاد أرضية للتفاهم وضمان مصالح الطرفين،، فهل بالحرب والقصف وتراكم الضحايا يضمن الرخاء والأمان؟ هاهي عاصفة الحزم اليوم تقف عاجزة عن حزم أمرها .. وتتحول الى عاصفة القرار المتسرع !.

وفي ظل هذا الواقع العربي المأزوم لا املك الا أن أعود الى إحدى اللقاءات النادرة لمولانا صاحب الجلالة- حفظه المولى ورعاه- حين قال بتلك النفس الطيبة المطمئنة،، ليتنا نجمع رؤساء العرب وقادتهم في حديقة غناء تحيط بهم الزهور والطيور ويقضون الوقت مستمعين لهموم بعضهم في ألفة وسلام،، من أجل عروبة آمنة وأخوة عربية أساسها الحب والشعور بالآخر،، حمامة سلام .. فكرك وتوجهك سيدي،، حباك الله بالعقل والرجاحة وبعد النظر في زمن انعدمت فيه أسباب الأمن وتبعثرت فيه مفاهيم الإخاء وتداخلت فيه نداءات يلفها الخواء وشعارات يغلفها المراء،، وتعالت فيها عواصف أتربتها سوداء بلون الموت والفناء،، لتبقى سيدي منارة تشع بصيصا يتعلق فيه العالم من حولنا من أجل البقاء .

amel-hermessi@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك