طوبى لمن تعاون في التعامل مع "أشوبا"

د .محمد بن سعيد الشعشعي

بعد الأنواء المناخية التي شهدتها بلادنا نهاية الأسبوع المنصرم لايسعنا إلا أن نتوجه بالشكر الجزيل إلى الجهات النابضة بالحياة التي وقفت على أهبة الاستعداد لدرء مخاطر هذه العاصفة المدارية والحد من تأثيراتها الضارة على البلاد، وفي مقدمة هذه الجهات التي تستحق وقفة إجلال وإكبار: الجهات العسكرية من الجيش والشرطة والأمن التي عملت ليلا ونهارا وانتشرت في كل موقع من أجل إنقاذ حياة المواطنين وانتشال المحتجزين وإيوائهم في أماكن الإيواء الآمنة التي خصصت للطوارئ وإيواء المتضررين أو المتوقع تأثرهم بهذا المنخفض فالتحية لرجال القوات المسلحة البواسل كل في موقعه، هؤلاء الرجال الأبطال الساهرون على أمن وسلامة مواطنيهم فنحن نحتاجهم وقت الرخاء والشدة ووقت الخطر والمطر وفي كل الأوقات والمناسبات.

تحية أيضاً إلى اللجنة الوطنية للدفاع المدني التي تعاملت مع هذا الحدث بهدوء تام وعقلانية وحكمة حيث أدت عملها في تنسيق متكامل، وهي في حراك دائم ونشاط وكأنها خلية نحل تتوزع فيها المهام ليؤدي الكل دورة بدقة متناهية فنشرات الأرصاد الجوية كانت دقيقة في رصد تفاصيل الحالة المدارية من حيث غزارة الأمطار وسرعة الرياح واقترابها من السلطنة وإظهار هذه البيانات من خلال التغطية الإعلامية المباشرة خلال فترة المنخفض وفي مختلف الوسائل الإعلامية الرسمية والأهلية وعبر قنوات التواصل الاجتماعي قامت هذه التغطية على الصدق والموضوعية وبعدت عن التهويل أو التهوين وتناولت هذا الحدث وفق ثلاث مراحل، الأولى بدأت عند العلم باتجاه أشوبا نحو الأراضي العمانية فتم تحديد المناطق المتأثرة بالمنخفض وحذر سكان تلك المناطق واستأنفت لجنة الدفاع المدني عملها وأصدرت بيانتها الرسمية ليكون له اعتبار وواقع خاص عند المواطنين، ثم بدأت المرحلة الثانية التي عايشت الأمطار والأعاصير وأصدرت البيانات المتناغمة مع الحالة المدارية وفقًا لقوة الأمطار وسرعة الرياح في نقل حي عبر التلفزيون لعمليات الإنقاذ التي يقوم بها الجيش العماني بمعداته البرية والجوية وهنا استخدم الإعلام لغة النصح المباشر والتوجيه ومعايشة الحالة وتغمصها لبعد المواطنين عن المهالك وجريان الأودية وما شابه ذلك، أما ثالثة المراحل وهي مرحلة التقييم أو التغطية الإعلامية للجهود التي بذلتها الجهات الرسمية وشرح ماتم إنقاذه، وإلى عدم وجود أضرار بشرية بفضل التعاضد والتكاتف وتعاون المواطنين وتقبلهم للتوجيه والإرشاد حفاظًا على أرواحهم وأرواح من معهم ومن ثم إعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي.

لله الحمد والمنة أن جعلها أمطار خير وبركة وعمّ بنفعها البلاد والعباد، بها يدر الضرع وينبت الزرع ويحي الأرض بعد موتها، ونحن اليوم بعد أشوبا وقبله كان جونو وفيت وعلى مر التاريخ عمان كغيرها من بلدان العالم تتعرض لأعاصير ورياح ومنخفضات بفعل القدرة الإلهية والتقلبات الكونية والحركة المدارية التي تعصف بالعالم ولكن برحمة من الله كانت أمطار نعمة لا نقمة، وأثبتنا نحن العمانيين للعالم أننا عظماء في أنفسنا ونعتمد على سواعدنا في السراء والضراء والسلم والحرب وهذا ما يحكيه لنا التاريخ العميق وما شاهدناه بالأمس من تكاتف وتعاضد في التعامل مع أشوبا أعطى رسالة إلى ما وراء البحار إلى أننا ومع نزول بركات السماء فقد آلفنا واعتدنا على التكاتف والتآزر وأن اللحمة العمانية واحدة طاهرة نقية صادقة تقف عند الشدائد والمحن وقفة رجل واحد وهذه اللحمة الطاهرة لاتقبل أي ميكروب ملوث أن يلمسها أو يقترب منها فهي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا لا تشتته مذاهب ولا تفرقه طوائف ولا قبائل، فكان التعامل بروح البنيان المرصوص وامتد جسر التواصل من مسندم إلى ظفار مع إخوانهم في المنطقة الشرقية عبر قنوات التواصل الخيرة المتضرعة إلى الله بالدعاء، والمغردة بكلمات الخير والنصح والإرشاد والمضادة لكل شائعة رمادية كانت أو سوداوية.

نستنتج أيضاً من هذه الحالة المدارية الأخيرة التي تعرضت لها البلاد الدور الكبير والحيوي لوسائل الإعلام من حيث طريقة تأثيرها القوي والفعال على الجمهور خصوصاً وقت الكوارث والأزمات فيكون لها واقع خاص ومؤثر يتفاعل معه الناس الأمر الذي يستوجب عليه البعد عن التهويل أو التضخيم في نقل الوقائع وفي المقابل يجب ألا يلجأ إلى التهوين أو التخفيف من حدة الأزمة فيستسهل الناس بها ولا يعطونها بالاً فتكون الخسائر كبيرة فالحياد والموضوعية والصدق في التعامل مع هذه الأحداث ومحاربة الشائعات أعتقد أنه المسار السليم لمعالجة هكذا أزمات وهذا كان تعامل وسائلنا الإعلامية مؤخرًا مع منخفض أشوباً في التغطية التلفزيونية والإذاعية المباشرة على مدار الساعة في بث حي وواقعي وصادق أثر في مجتمع سكان المناطق الشرقية المتأثرة بالأنواء وتفاعلوا معه فلم تكن هناك خسائر بشرية وتم إنقاذ أكثر من 109 حالات بعد بانتشالها من الأودية إلى بر الأمان .

أثبتت لنا هذه الحالة المدارية جدوى وجود متحدث واحد رسمي باسم الجهة التي تتعامل مع الأزمة حتى تنتهي فمن خلال البيانات الصادرة من هيئة الدفاع المدني التي يتابعها الجمهور بشغف ويتطلع إليها لمعرفة ما توؤل إليه الحالة المدارية حيث إن هذه البيانات الرسمية تدحض الشائعات والأكاذيب التي عادة ما تنتشر أثناء الأزمات أو الكوارث وقد تضلل البعض وتبعدهم عن الحقيقة، فوجود المتحدث الرسمي يزيل كل هذه التناقضات والمبالغات والأكاذيب ويجعل الحقيقة واضحة ولا مجال للتشكيك فيها مما يجعل الجمهور يتقبل النصح والإرشاد للوقاية من أضرار مثل هذه الأزمات ومخاطرها فإدراك اللجنة الوطنية للدفاع المدني أهمية وجود متحدث رسمي واحد كان له بالغ الأثر في التخفيف من آثار أشوبا السلبية

كما ننوه هنا إلى أهمية التنبيه إلى أن يكون التخطيط المستقبلي لإنشاء المدن والمناطق والتجمعات السكنية بعيداً عن مجارى الوديان والشعاب، وألا تقتصر مشاريع ومخططات الصرف الصحي على تصريف مياه المجاري دون أن تعتني بالهم الأكبر وهو كيفية تصريف مياه الأمطار الجارية التي تحدثها المنخفضات المدارية والله نسأل السلامة ومبروك عليكم الشهر الفضيل .. وختاماً نقول: طوبى لمن تعاون في التعامل مع أشوبا.

تعليق عبر الفيس بوك